للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علي، ومكانُه من العلم ما تعلم، وأنت كثير البرِّ والرَّغبة في الخير، كيف غفلتَ عنه؟! وحدَّثته حديثَه، فقال: إنَّ داود شَرِسُ الخُلُق، بعثتُ إليه البارحة مع غلامي بألف درهم، فقال للغلام: قل له: بأيِّ شيءٍ رأيتَني؟ وما الذي بلغك من حاجتي حتَّى بعثتَ إليَّ بهذا؟ قال المحاملي: فعجبتُ وقلت: هاتِ الدَّراهمَ، [فأنا أحملها إليه، قال:] فدفعها إليَّ، وأعطاني ألفًا أخرى وقال: هذا لموضع القاضي وتعنّيه (١).

[قال:] فأخذتُ الألفين، وجئتُ إلى داود، فطرقتُ بابَه فقال: مَن هذا؟ فقلتُ: فلان، فقال: ما الذي عنَّاك؟ ادخل، [فدخلتُ] فجلستُ ساعة، ثمَّ أخرجتُ الألفَين وجعلتهما بين يديه، فنظر إليَّ وقال: هذا جزاءُ مَن ائتمنك على سرِّه!؟

[وفي رواية: فقال للمحامليّ:] ما الذي رأيتَ من حاجتي؟ قلت: رأيتُك تأكل الهِنْدَباء بالنّخالة، فقال: لو كان عندي امرأة أكنتَ تنظر إليها؟! إنَّما أدخلتُك بيتي بأمانة العلم، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.

[قال المحامليّ:] فرجعتُ وقد صَغُرت الدُّنيا في عيني، ودخلتُ على الجرجانيّ فأخبرتُه بما كان، فقال: هذه الدَّراهم قد خرجت لله تعالى، فلا ترجع إلى مالي، فلْيتولَّ القاضي إخراجَها في أهل السَّتر والعفاف، فقد أخرجتُها عن قلبي.

[وقال الخطيب:] (٢) كان داود يقول: خير الكلام ما دخل الأُذُن بلا إِذْن.

وقال صالح بن الإمام أحمد: سألني داود أن أتلطَّف له في الدُّخول على أبي، فاستأذنتُه فقال: قد كتب إليَّ محمد بن يحيى النَّيسابوريُّ في أمره أنَّه يزعم أنَّ القرآن الذي في اللَّوح المحفوظ قديم، لا يمسه إلَّا المطهَّرون، والذي تقرأه النَّاس مخلوق تمسُّه الحائض والجُنُب، فقلت: قد رجع عن هذا.

وفي رواية: أنَّه أنكر ما قد قيل عنه، فقال: لا حاجةَ لي في الاجتماع به.

وقال المحامليُّ: وسئل داود فقيل له: ما معنى (٣) قول القائل لجرير والبيت لجرير: [من الكامل]


(١) كذا في النسخ، والذي في "تاريخ بغداد"، و"المنتظم": وعنايته. وما بين معكوفين من (ب).
(٢) في "تاريخه" ٩/ ٣٤٥.
(٣) في (خ) و (ف): وقيل لداود: ما معنى … ، والمثبت من (ب).