للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لو كنتُ أعلم أنَّ آخرَ عهدكُم … يومُ الرَّحيل فعلتُ ما لم أفعلِ (١)

ما كان يفعل؟ فقال: كان يَقلع عينَه، ولا يرى مَظْعَن أحبابه.

وكان أبو جعفر محمد بن جرير الطَّبريُّ على مذهب داود، وعنه أخذ، وقرأ عليه، وكان يَحضر حلقته، ثمَّ تخلَّف عنه، وعقد لنفسه مَجلسًا، وبلغ داود فأنشد: [من الوافر]

فلو أنِّي بُلِيتُ بهاشميٍّ … خُؤولته بنو عبد المَدَانِ

صَبرتُ على أذيَّته ولكن … تعالي وانظُري بمَن ابتلاني

[حكاية جرت لداود مع محمد بن يحيى النَّيسابوري:]

حكاها المحامليُّ (٢) قال: قدم داود نَيسابور وعليه طِمْرٌ (٣) خَلَق، وعلى رأسه خُريقة، فدخل مجلس محمد بن يحيى، فجلس في أطراف النَّاس ولم يعرفوه، فذكر محمد بن يحيى حديثًا هو: "أفطر الحاجم والمحجوم" (٤). ولم يبيِّن ما فيه، فأخذ داود يذكر إسناده ومتنه، ومَن رواه من الصَّحابة، ومن ذهب إليه منهم ومن الفقهاء، فقام محمد بن يحيى من مجلسه، ومضى إليه، وأجلسه إلى جانبه، وسأله عن نفسه فعرَّفه إياه، فاعتذر إليه.

[فصل في الكلام على الحديث:

قلت: عامَّة العلماء على أنَّ الحجامة لا تُفطر الصَّائم ولا تُكره له، وبه قال مالك والشافعيُّ، وقال أحمد: الحجامة تُفطر الحاجم والمحجوم، واحتجَّ بثمان أحاديث أخرجها أحمد في "المسند" عن رافع بن خَديج، وشدَّاد بن أوس، وثَوبان، ومَعْقِل بن يَسار الأشجعيّ، وأُسامة بن زيد، وأبي هُريرة، وعائشة، قالوا: إنَّ النبيَّ قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" (٥).


(١) هو في شرح ديوانه ٢/ ٩٤٠.
(٢) في (خ) و (ف): وقال المحاملي: قدم … ، والمثبت وما بين معكوفين من (ب)، والبيتان السالفان نُسبا لدعبل وهما في ديوانه ٤٢٩، ونسبا أيضًا للإمام علي وهما في ديوانه ٩٦.
(٣) الطِّمْر: الثوب الخَلَق. اللسان: (طمر).
(٤) ينظر تخريجه في التعليق الآتي.
(٥) مسند أحمد (١٥٨٢٨)، (١٧١١٢)، (٢٢٣٧١)، (١٥٩٠١)، (٢١٨٢٦)، (٨٧٦٨)، (٢٥٢٤٢) (على الترتيب). ولم يذكر المصنف الحديث الثامن وهو عن بلال وهو عند أحمد (٢٣٨٨٨).