للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

احتقب من الإثم، وَرمْي من قد رفع الله محلَّه وجعله رحمة للعالمين وحجة للمهتدين (١).

قالوا: وإنما كان ذنب داود أنه تمنى أن تكون له امرأة أوريا حلالًا، وحدَّث نفسه بذلك، واتفق أنه غزا أوريا من غير قصد داود، فلما بلغه قتله لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده إذ هلك، ثم تزوَّج امرأته، فعاتبه الله على ذلك لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله (٢).

وقال بعضهم: كان ذنب داود أنَّ أوريا كان خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها، فلما غاب في غزاته خطبها داود فتزوجته، فاغتمَّ أوريا غمًّا شديدًا، فعاتبه الله على ذلك، حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها الأول وعنده تسع (٣) وتسعون امرأة (٤).

وقد أشار جدي ﵀ في "تفسيره" وفي "المنتظم" إلى هذا وقال: ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء (٥). وأقرب ما في القصة أن أوريا خطب تلك المرأة ثم خطبها داود فتزوجها فعتب الله عليه حيث لم يدعها لخاطبها.

قلت (٦): وفصل الخطاب في هذا الباب أن الذي فعله داود ﵇ لم يكن كبيرةً يعاقب عليها بل صغيرة. غاية ما في الباب أنه نظر إلى المرأة غير متعمد، وكذا أمره لأوريا بالقتال، والأنبياء غير معصومين من الصغائر، وإنما ذنوبهم وإن صغرت فهي عظيمة عند الله، ألا ترى أن آدم لم يسامح في لقمة حتى نوديَ إلى يوم القيامة ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾. وأما رواية الحارث الأعور عن علي ﵇ فالحارث كذَّاب باتفاق المحدثين، ولو ثبت كان معناه أنه ارتكب كبيرة.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٤.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٤.
(٣) هنا ينتهي الخرم في (ب) المثار إليه في محنة داود.
(٤) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٤.
(٥) "زاد المسير" ٧/ ١١٦ - ١١٧، والتبصرة ١/ ٢٧٥، ولم نقف عليه في "المنتظم".
(٦) في (ب): قال المصنف ﵀.