للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنظرت من ثقب في الإزار فرأيت شَفتَه، فلمَّا وقعتْ عيني عليها سكَت وقال: حدث هاهنا حدَثٌ [فأخبريني ما هو؟] فأخبرتُه، فقال: أما علمتِ أنَّ هذا العلم لا يَحتمل التَّخليط؛ لأنَّ نظرك إليَّ معصية.

قال المصنِّف : من باب تدقيق الورع، [لأنَّ نظر المرأة إلى الرجل لا يحرم عليها إلا إذا قصدت الخلوة لغرض].

وقال أبو القاسم بن مردان: كان عندنا بنهاوند فتًى يَصحبني، وكنتُ أصحب أبا سعيد الخرَّاز، وكنتُ أصف للفتى أخلاقَه وأحواله، وكان أبو سعيد إذ ذاك بمكَّة، فقال لي: اخرج بنا إليه، ثمَّ إنَّ الفتى أخذ حجَّة من حمولا -وهو [رئيس نهاوند (١) - ولم أعلم، فلمَّا قدمنا مكَّة دخلنا على أبي سعيد، فسلَّمنا عليه، فقال له الفتى: يا أبا سعيد، ما حقيقةُ التوكُّل؟ فقال: ألا تأخذ حجَّة من حمولا، فخجل الفتى، فقال له: خذ فيما كنتَ فيه.

ثم قال: كنتُ في حداثتي أراعي شيئًا من هذا الأمر، فسلكتُ باديةَ الموصل، فبينا أنا أسير إذ سمعت حِسًّا من ورائي، فحَفِظْتُ قلبي عن الالتفات، ودنا الحِسُّ منِّي، وإذا بسَبُعَين قد صعدا على كتفي، ولحسا خدِّي، فلم أنظر إليهما حين صعدا، ولا حين نزلا.

وقال: كنتُ أمشي في الصَّحراء وإذا بقريب من عشرة كلاب من كلاب الرُّعاة قد شدُّوا عليَّ، فلمَّا قربوا منِّي جعلت أستعمل المراقبة، فإذا كلب أبيضُ من بينهم قد خرج وحمل عليهم، فطردهم عنِّي، ولم يفارقني حتَّى غابوا عنِّي.

وقال: رأيتُ إبليس في منامي وهو يمرُّ عني ناحية، فقلتُ له: تعال، فقال: إيش أعمل بكم؟ أنتم طرحتُم عن نفوسكم ما أخادع به النَّاس، قلت: وما هو؟ قال: الدُّنيا، ثمَّ التفتَ إليَّ بعد ما ولّى وقال: غير أنَّ لي فيكم لطيفة، قلت: وما هي؟ قال: صحبة الأحداث، [وفي رواية قال:] فأخذتُ عصًا لأضربه فقال: أمَّا أنا ما أخاف من عصا، قال: ممَّ تخاف (٢)؟ قال: من نور القلب (٣).


(١) في (خ): حمولا زهر نهاوند، والمثبت من "تاريخ دمشق"٢/ ٦٣ (مخطوط)، وجاء الخبر في (ب) مختصرًا.
(٢) من بداية السنة إلى هنا ليس في (ف).
(٣) "طبقات الصوفية" ٢٣٢، و"الرسالة القشيرية"٩٨، ومناقب الأبرار ١/ ٤٢٥، و"تاريخ دمشق" ٢/ ٦٤.