للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وحكي عنه أيضًا] قال: دخلتُ الباديةَ مرَّة بغير زاد، فأصابتْني فاقةٌ شديدة، وكانت المَرْحَلةُ بعيدة، فوصلتُ إلى قرية، فسُررتُ بوصولي إليها، ثمَّ فكَرتُ في نفسي فرأيتُ أنِّي قد اتَّكلْتُ على غير الله، فآليتُ على نفسي أن لا أدخلَ القرية إلا أن أُحمل إليها، فحفرتُ لي حُفْرةً في الرَّمل، وتواريتُ فيها إلى صدري، فلمَّا كان نصفُ اللَّيل سمع أهل القرية صوتًا عاليًا يقول: يا أهلَ القرية، إنَّ لله وليًّا قد حبس نفسه في الرَّمل، فالحقوه، فجاؤوني، فأخرجوني من الرَّمل، وحملوني إلى القرية (١).

[وحكى في "المناقب" أيضًا] قال: رأيتُ يوم الجمعة فقيرًا يدور على الصُّفوف ويقول: تصدَّقوا عليَّ؛ فقد كنتُ صوفيًّا فضَعُفْتُ، [قال]: فرفقتُه بشيء، فنظر إليَّ وقال: مُرَّ، ليس هذا من ذاك، ومضى ولم يأخذ شيئًا.

قال المصنِّف : إنَّما عنى الفقيرُ أنَّه كان له حال مع الله ففقده، ولم يُرِد الدُّنيا.

[وحكى عنه أيضًا] قال: كنتُ بمكَّة، فخرجتُ يومًا من باب بني شَيبة، فرأيت شابًّا حسنًا ميتًا على قارعة الطريق، فنظرتُ في وجهه فتبسَّم، فقلت: أحياةٌ بعد الموت؟! فقال: أبا سعيد، أما علمتَ أنَّ أولياء الله أحياءٌ عنده، إنَّما يُنقلون من دار إلى دار.

[وحكى عن أبي سعيد أيضًا] قال: رأيتُ رسول الله في المنام فقلتُ: اعذرني، فإنَّ محبَّة الله شغلتْني عن مَحبَّتك، فقال لي: يا مبارك، أما علمتَ أنَّ من أحبَّ الله فقد أحبَّني.

[وحكى في "المناقب" (٢) أيضًا عن] أبي القاسم بن مَرْوان النَّهاوندي قال: كنتُ أنا وأبو بكر الورَّاق مع أبي سعيد الخرَّاز نمشي على ساحل البحر نحو صَيدا، فرأى شخصًا من بعيد فقال: لا يخلو هذا المكان من وليٍّ لله تعالى، وإذا بشابِّ حسنِ الثِّياب مليحِ الوجه، وبيده رِكوة ومحبرة، وعليه مرقَّعة، فالتفت إليه أبو سعيد مُنكرًا عليه بحمل المحبرة والركوة، وقال له: يا فتى، كيف الطريق إلى الله تعالى؟ فقال: يا أبا سعيد أعرف إليه طريقين، طريقًا خاصًّا، وطريقًا عامًّا، فالعامُّ ما عليه أنت وأصحابُك، والخاصُّ ما ترى، ثمَّ تقدَّم فدخل البحر ومشى على الماء حتَّى غاب عن أعيننا، فتحيَّر أبو سعيد وقال: هذه المواهِب.


(١) "الرسالة القشيرية" ٢٧٩، ٥٦٨، و "تاريخ دمشق" ٢/ ٦٨.
(٢) ١/ ٤٢٣ - ٤٢٤.