للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولدها، والأخ فيحمل أخاه، ثم يحمَلُ داود فيلقى في بيت مظلم على الرماد، فإذا غربت الشمس جاءَ سليمان فيقول: يا أبت، أفطر الصائمون أما آن لك أن تفطر؟ فيؤتى بقرص من شعير وقدح من ماء فلا يشوبه حتى يُفيضَه من دموعِهِ.

وقد ذكر جدي في "التبصرة" بمعناه وأسنده عن يحيى بن أبي كثير قال: بلغنا أنه إذا كان يوم نَوْح داود، مكث قبل ذلك سبعًا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب، فإذا كان قبل ذلك بيوم أُخرِجَ له منبرٌ إلى البرية، ونادى في الجبال والغياض والصوامع ونحوها فتأتي الهوام والوحوش والرهبان والعذارى، فيصعد المنبر ويقف سليمان على رأسه، ويأخذ في الثناء على ربه فتموت طائفة من الناس، ثم يأخذ في ذكر الموت فتموت طائفة، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فتموت طائفة من الناس، ثم يحمل على سريره إلى بيت عبادته ويقول: أين فلان وأين فلان؟ فيقول سليمان: ماتوا، فينادي: أغضبان أنت على داود إله داود؟ أم كيف قصرت به أن يموت خوفًا منك (١).

وروى الثعلبي عن جعفو بن محمد قال: سمعت ثابتًا يقول: ما شرب داود شرابًا بعد المغفرة إلا ونصفه ممزوج بدمع عينيه.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده عن عثمان بن أبي العاتكة قال: كان من دعاء داود: إلهي، إذا ذكرتُ خطيئتي ضاقت عليَّ الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك عادت إليَّ روحي. إلهي، أتيتُ أطباء عبادك ليداووا في خطيئتي فكلهم دلُّوني عليك (٢).

وروى الثعلبي أيضًا عن الأوزاعي قال: بلغنا عن النبي أنه قال: "خَدَّ الدَّمعُ في وَجهِ داودَ خديدَ الماءِ في الأرض".

وروى الثعلبي أيضًا عن الحسن بن عبد الله القرشي قال: لما أصاب داود الخطيئةَ فرغ إلى العبادة، فأتى راهبًا في قُلَّةِ جبل، فناداه بصوت عال فلم يجبه، فلما أكثر عليه قال الراهب: من الذي يناديني؟ قال: أنا داود نبيُّ الله، قال: صاحب القصور الحصينة والخيل المسوَّمة والنساء والشهوات؟ لئن نلت الجنة بهذا لأنت أنت. قال داود: فمن


(١) "التبصرة" ١/ ٢٧٨.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٨.