للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنت؟ قال: راهب راغب مترقب، قال: فمن أنيسك ومن جليسك؟ قال: اصعد تره. قال: فصعد الجبل حتى صار في قلته، وإذا بميت مسجَّى بين يدي الراهب، فقال: من هذا؟ فقال: هذا ملك قصَّته مكتوبةٌ في لوح من نحاس عند رأسه، قال: فقرأ داود الكتاب فإذا فيه: أنا فلان بن فلان ملك الأملاك عشت ألف عام، وبنيتُ ألف مدينة، وهزمت ألف جيش، وأحصنت ألف امرأة، وافتضضت ألف عذراء، فبينما أنا في ملكي أتاني ملك الموت فأخرجني مما أنا فيه، فالتراب فراشي، والديدان جيراني، فخرَّ داود مغشيًا عليه.

وقال أبو إسحاق الثعلبي بإسناده عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "كَانَ النَّاسُ يعُودُون داودَ ويظنُونَ أنَّه مريضٌ، وما به مَرضٌ إلا الحَياءُ والخَوفُ مِنَ اللهِ".

قال: وقال وهب: لما تاب الله على داود كان يبدأ إذا دعا للخاطئين ويستغفر لهم قبل نفسه.

وقال الثعلبي بإسناده عن قتادة عن الحسن قال: كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين ويقول: تعالوا إلى داود الخاطئ، ولا يشرب شرابًا إلا مزجه بدموع عينيه. وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته ولا يزال يبكي عليه حتى يبتلَّ بدموعه ويذرُّ عليه الملح والرماد ويقول: هذا طعام المذنبين الخاطئين، ثم يأكل (١).

قال الحسن: وكان داود قبل الخطيئة يصوم يومًا ويفطر يومًا ويقوم نصف الليل فلما كان من خطيئته ما كان، صام الدهر كله وقام الليل كله (٢).

قال إسحاق بن بشر بإسناده عن وهب بن منبه: إن داود لما تاب الله عليه قال: يا رب، غفرت لي؟ قال: نعم، قال: فكيف في أن لا أنسى خطيئتي فأستغفر منها لي وللخاطئين؟ قال: فوسم الله خطيئته في كفه اليمنى، فما رفع بها طعامًا ولا شرابًا إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيبًا في الناس إلا بسط راحته فاستقبل بها الناس ليروا خطيئته (٣).


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٨.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٨.
(٣) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٨٨ - ٢٨٩.