للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد الموفَّق يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ربيع الأوَّل، سنة تسع وعشرين ومئتين، وقتل الزنجي وفعل ما فعل، وكان يقول: بلغني عن جدِّي عبد الله بن عبَّاس أنَّه كان يقول: إنَّ الذباب لَيقع على جليسي فيَغُمُّني ذلك، وهذا نهاية الكرم، وأنا والله أرى جُلسائي بالعين الَّتي أرى بها نفسي وإخواني وأهلي.

وقال يومًا: صدق المأمون حيث يقول: الفَلَك أدَقُّ من أن يَبقى على حال، فاغتنموا أوقات السُّرور، واعتقدوا المِنَن في أرقاب الرِّجال، واتَّخِذوا لأعقابكم الصَّنائع، فإنَّ المُقام في الدُّنيا لُمَعٌ، ولا يدوم الدَّهر على حال.

ذكر وفاته:

كان الموفَّق قد حبس ابنَه أبا العبَّاس عند إسماعيل بن بُلبل، فضيَّق عليه، فلمَّا ورد الموفَّق بغداد، واشتدَّ مَرضُه، وأُرْجِف بموته، ويئس منه إسماعيل، وجَّه إلى بكتمر التُّركي -وكان موكَّلًا بالمعتمد (١) وابنِه جعفر بالمدائن- أن يُحضِرهما إلى بغداد، فأصعد بهما، وأنزلهما ابنُ بلبل في داره، فأقاما يومًا، فقيل لابن بُلْبل: قد أفاق الموفق من غَشْيته، فانحدر ومعه المعتمد وابنه جعفر المفوّض إلى دار الموفق، وقال المعتمد: أريد أن أَنْصُرَ أخي.

ومضى صافي الحُرَميُّ ومؤنس ويانس خدم الموفَّق فأخرجوا أبا العبَّاس، وأتَوْا به إلى دار الموفَّق، فقرَّبه أبوه وأدناه، وخلع عليه وعلى إسماعيل، وكان قد ضيَّق إسماعيل على أبي العبَّاس، وعلمت العامَّةُ ذلك، وكانوا يخافون عليه من إسماعيل، فنَهبت العامَّة دار إسماعيل، فخرج أهلُه وولده حُفاةً عُراةً، وطلب إسماعيل حَصيرًا يجلس عليه فلم يجد، فاستُعير له حَصير من بعض دور الجيران.

وفي يوم الأربعاء لثمانٍ بقين من صفر توفِّي الموفق، ودُفن ليلة الخميس في الرُّصافة عند قبر أمِّه، وصلَّى عليه ابنُه أبو العبَّاس، وكانت وفاته بالقصر الحَسَني، وله تسع وأربعون سنة إلا أيامًا (٢).


(١) في مروج الذهب ٨/ ١٠٦: وكان موكلًا بالمعتضد بالمدائن …
(٢) في (ب): فكانت وفاته بالثغر الحسيني وله سبع وأربعون سنة إلا أيامًا.