للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عبد الله بن المعتز: لمَّا مات الموفّق كتب إليّ عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يعزِّيني فيه، وقال: إنَّما أُعزِّيك بالمنصور الثاني، لا أعرف في ولده أشبهَ به منه (١).

وبايع النَّاسُ والقوَّادُ والغِلمانُ لأبي العبَّاس بولاية العهد بعد جعفر المفوّض، ولُقِّب المعتضد بالله، وخُطب يوم الجمعة للمعتمد، ثمَّ للمفوَّض جعفر، ثم لأبي العباس (٢)، وذلك لسبعِ ليالٍ بَقين من صفر.

وفي يوم الاثنين لأربعٍ بقين منه قبض أبو العبَّاس على إسماعيل بن بُلُبل، وعذَّبه بأنواع العذاب، وجعل في عُنُقه غُلًّا فيه رُمَّانةُ حديد، وزنُها مئة رطلٍ وعشرون رطلًا، وألبسه جُبَّة صوف وقد صيِّرت في دهن الأكارع، وعلَّق في عنقه رأسَ كَلْبٍ مَيت، ثمَّ مات، فدفن بقيوده وغلّه وجُبَّته.

واستكتب أبو العبَّاس عبيد الله بن سليمان بن وهب لثلاثٍ بقين من صفر يوم الثلاثاء، وولَّاه الوزارة، وقيل: إنَّ إسماعيل [بن بلبل] مات في سنة تسع وسبعين ومئتين بعد موت المعتمد، وتمكُّن المعتضد من الخلافة (٣).

وقال عبد الله بن أحمد بن حَمدون: حدَّثني المعتضد بالله وهو خليفة قال: لما ضرَّب إسماعيل بن بُلبل بيني وبين أبي الموفَّق، وأوحشه منِّي حتَّى حبسني الحَبْسَةَ المشهورة، كنتُ أتخوَّف القتلَ صباحًا ومساءً، وأن يَرميَني إسماعيلُ عنده بما يكون سببًا لقتلي، واتَّفق خروج أبي إلى الجَبل، فازداد خَوفي، وأشفَقْتُ أن يُكاتبه إسماعيل عنِّي بكَذبٍ يجعل غَيبتَه طريقًا إلى تَلَفي، وكنتُ محبوسًا عنده، فأقبلت على الدُّعاء والتضرُّع إلى الله تعالى.

وكان إسماعيل يأتي كلّ يوم، ويريني أنَّ ذلك خدمة لي، فدخل عليَّ يومًا والمصحف في يدي وأنا أقرأ فيه فقال: أيُّها الأمير، أعطني هذا المصحف لأتفاءل لك، فلم أُجِبْه، فمدَّ يده فأخذه، فأول ما فتح خرج: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] فاسودَّ وجهُه، ثمَّ فتح


(١) "المنتظم" ١٢/ ٣٠٤.
(٢) في النسخ: ثم للمفوض جعفر ولقب المعتضد بالله، وهذه العبارة الأخيرة مكررة لانتقال النظر، والله أعلم، والمثبت من "الكامل" ٧/ ٤٤٤.
(٣) "تاريخ الطبري" ١٠/ ٢٢، و"تاريخ الإسلام" ٦/ ٥١٨ - ٥١٩. ومن هنا إلى آخر السنة ليست في (ب).