للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا فخرج: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٥] فارْبَدَّ وَجْهُه، ثم فتح ثالثًا فخرج: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] فوضع المصحف وقال: أيُّها الأمير، أنت والله الخليفة بغير شكّ، فما حَقُّ بِشارتي؟ فقلت: اللهَ اللهَ في دمي، وأسأل الله أن يُبقي أمير المؤمنين والأمير الموفَّق، وما لنا وهذا؟ وجعل يحلف بالأيمان أنَّه لم يكن منه إليَّ مكروه، فصدَّقتُه ولاطفتُه؛ خوفًا من أن تزيد وحشتُه فيسرع في تدبير أمري، حتَّى سكن، وجاء الموفَّق من الجبل مريضًا، وجاؤوا فأخرجوني من الحبس، وولِّيت الخلافة ومكَّنني الله من ابن بلبل، فأنفذتُ الحكمَ فيه (١).

وقال أحمد بن حَمْدون: حدَّثني المعتضد قال: لمَّا قدم أبي من الجبل وهو عَليل عِلَّتَه التي مات فيها وأنا في حبسه، اشتدَّ خوفي، ولم أشكَّ أنَّ إسماعيل يَحمله على قتلي، أو يحتال بحيلةٍ يَسفك فيها دمي إذا وجد أبي قد ثقل ويئس منه، فصلَّيتُ في اللَّيل صلاةً كثيرة، ودعوتُ دعاءً عظيمًا، وتضرَّعت إلى الله تعالى، ونمتُ، فرأيتُ في منامي كأنِّي على شاطئ دجلة، وهناك رجل يمدُّ يده إلى مائها فيصير في يده، ثمَّ يردُّه فيعود إلى دجلة، فعل ذلك مرارًا، فدنوتُ منه، وسلَّمتُ عليه، وقلتُ: من أنتَ يا عبد الله الصالح؟ فقال: أنا عليُّ بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين، ادعُ الله لي، فقال: إنَّ هذا الأمرَ صائرٌ إليك، فاعتضِدْ بالله، واحفظْني في ولدي، قال: فانتبهتُ مَرعوبًا، وكتبتُ: فلان الوزير، وفلان الأمير، وكتبتُ ما أعتمده إذا وليتُ الخلافة، ودفعتُ الرُّقعة إلى غلامٍ كان معي في الحبس، ولَحِقَتِ الموفَّقَ غَشْيةٌ، وإذا بأقفال البيت الذي أنا فيه تُكْسَر، فأيقنتُ بالهلاك، واستقبلتُ القبلة، وجرَّدت سيفي بين يدي وقلت: أموتُ كريمًا، وإذا بخدم أبي وغلماني قد دخلوا عليَّ، فزال خوفي، ورميتُ السَّيف من يدي، فأخرجوني وأدخلوني على أبي، فأخذت يده وجعلتُ أقبِّلها، ففتح عينيه فرآني، فرقَّ لي، وأشار إلى الخدم أن قد أحسنتُم فيما فعلتُم، ثمَّ مات من ليلته، فلمَّا وليتُ الخلافة عملتُ بما في الورقة.

قال أحمد بن حمدون: فما عرض المعتضد في أيَّامه للعلويِّين، ولا آذى منهم أحدًا، وأحسن إليهم ووصلهم (٢).


(١) "الفرج بعد الشدَّة"١/ ١٨٢ - ١٨٥.
(٢) "الفرج بعد الشدَّة" ٢/ ٢١٠ - ٢١٢، وينظر "مروج الذهب" ٨/ ٢٠٥ - ٢٠٦.