للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليَّ الأمر قليلًا، ووقفت وهو لا يخاطبني بشيء إلى أن أحضر الرجل، فقال له: من أنت؟ قال: أنا منصور الجمَّال، قال: وما قصَّتك؟ قال: أنا مظلوم، حُبست منذ كذا وكذا، وأنا رجل من أهل الجبل كان لي جمال، وكنتُ أعيش من فضل أُجرتها، وكان يتقلَّد بلدَنا فلان العامل، فاستدعى بي إلى الحَضْرة، فأخذ جمالي غَصْبًا يستعين بها في حمل سَواده، فتظلَّمت إليه فقال: إذا صرتَ بالحَضْرة رددتُها إليك.

فخرجتُ معه، فلمَّا بلغنا من حُلوان سلَّ الأكرادُ منها جملًا محمّلًا، فبلغه الخبر، فأحضرني وقال: أنت سرقتَ الجمل بما عليه.

ثم أمر بضَربي وتقييدي، فلمَّا ورد الحضرة أنفذني إلى الحبس، وأخذ الجمال، ولم يكن لي متظلِّم، وطالت بي المحنة إلى الآن، فقال لبعض الخدم: امض السَّاعة إلى فلان العامل، فاقعد على دماغه ولا تبرح، أو يردّ عليه جماله أو قيمتها على ما يريد، فإذا قبض ذلك فاحمله إلى الخزانة، واكسه كسوةً حسنة، وادفع إليه كذا وكذا دينارًا، واصرفه مصاحبًا.

ثمَّ قال لصاحب الشُّرطة: في حبسك رجل يُعرف بفلان الحدَّاد؟ قال: نعم، قال: أحضرنيه السَّاعة، فأحضره، فقال: ما قصَّتك؟ فقال: أنا رجل من أهل الشَّام، وكانت لي نعمةٌ فزالت، فهربتُ من بلدي، فوافيتُ الحَضْرَةَ طالبًا للتصرُّف، فتعذَّر عليَّ حتى كدتُ أتلَفُ جَزَعًا، فأُرشدتُ إلى حدَّاد يعمل ليلًا، فقصدتُه، فاستأجَرني بدرهم كلَّ ليلة، وكان معه غلامٌ آخر يضرب بالمِطْرَقة، فأفسد ذلك الغلامُ على الحدَّاد نعلًا كان يضربها، فرماه بالنَّعل الحديد، فوقعت على قُلَّته (١)، فتَلِف للوقت فهرب الحدَّاد، وبقيت أنا في الموضع متحيِّرًا.

وأحسَّ الحارس بما رابه، فهجم عليَّ، فوجدني قائمًا والغلام ميتًا، فلم يشكَّ أنِّي أنا القاتل، فقبض عليَّ ورفعني، فحُبِستُ إلى الآن.

فقال لصاحب الشرطة: خلِّ عنه، وقال لخادم آخر: خذه فغيِّر عليه حاله فاكسه، وادفع إليه خمس مئة دينار، ودعه ينصرف مُصاحَبًا.


(١) قُلَّة كلِّ شيء رأسه. "اللسان" (قلل).