للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأخَّر رزق أبي العيناء، فشكا إلى عبيد الله بن سليمان (١)، فقال: ألم نكن كتبنا لك إلى ابن المدبّر، فما فعل في أمرك؟ فقال: جرَّني على شَوْك المَطْل، وحَرمني ثمرةَ الوَعْد، فقال: أنت اخترتَه، فقال: وما عليَّ وقد اختار موسى قومَه سبعين رجلًا، و [ما] (٢) كان فيهم رجل رشيد، فأخذتهم الرجفة، واختار النبي ابنَ أبي سَرْح كاتبًا، فلحق بالكفار، واختار عليُّ بن أبي طالب أبا موسى فحكم عليه.

وقال: [الخطيب: انتقل أبو العيناء من البصرة إلى بغداد فأقام بها.

قال: وسبب انتقاله ما رواه الصولي عن أبي العيناء قال: حدثني عن سبب خروجه من البصرة وسكناه بغداد قال:] اشتريتُ غلامًا يُنادَى عليه ثلاثون دينارًا ويساوي ثلاث مئة دينار، وكنتُ أبني دارًا، فدفعتُ إليه عشرين دينارًا يُنفقها على البناء، فجاءني بعد أيَّام، وقال نَفِدت النَّفَقَةُ، فقلت: ارفع حسابَك، فرفعه فإذا به عشرة دنانير، قلت: فأين الباقي؟ قال: اشتريتُ به ثوبًا مُصْمَتًا وقطعتُه، قلتُ: مَنْ أمرك بهذا؟ قال: يا مولاي لا تَعجل، فإنَّ أهلَ المروءات والأقدار لا يَعيبون على غِلمانهم إذا فعلوا فعلًا يعود بالزَّين على مواليهم، [قال:] فقلت في نفسي: أنا اشتريتُ الأصمعيَّ ولم أعلم (٣).

قال: وأردت تزوّج امرأة، فأطلعتُه على ما في نفسي، وقلتُ: اكتم ذلك عن بنت عمِّي، فقال: أنا نِعم العونُ لك على الخير، فتزوَّجتُها، ودفعتُ إليه دينارًا، وقلت: اشترِ لي كذا وكذا ويكون فيه سمكًا هازِبَى (٤).

فمضى واشترى جميعَ ما أمرته به، واشترى سمكًا مارماهى (٥)، فقلت له: ما هذا؟ فقال: رأيتُ بُقْراط يقول: السَّمك الهازبى يولّد السَّوداء، ووصف المرماهى، فقلت: يا ابن الفاعلة، ما علمتُ أني اشتريتُ جالينوس، وقمتُ إليه أضربُه، فضربتُه عشرَ مَقارع، فلمَّا فرغتُ أخذ المِقْرَعة وضربني سبعًا، وقال: الأدب ثلاث، والسبعةُ فَضْل، وهي قِصاص، فخفتُ عليك من القصاص غدًا، فاستوفيت منك اليوم، فغاظني جدًّا


(١) في (خ): إسماعيل، والمثبت موافق لما في المنتظم ١٢/ ٣٥٥.
(٢) زيادة من المنتظم.
(٣) تاريخ بغداد ٤/ ٢٩٣، والمنتظم ١٢/ ٣٥٥.
(٤) نوع من أنواع السَّمك. اللسان (هفف).
(٥) هو الجِرِّيُّ: وهو نوع من السمك يشبه الحية، وهو فارسي. اللسان: (جرر).