للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرميته (١) فشَجَجْتُه، فمضى من وقته إلى ابنة عمِّي، فأَخبرها أنّي تزوَّجتُ، وقال: قال : "من غشَّنا فليس منَّا" (٢) وقد تزوَّج مولاي واستكْتَمَني، والدِّين النَّصيحة، فلمَّا قلتُ له: لا بدَّ من تعريف مولاتي، ضربني بالمقارع وشجَّني.

[قال:] فمنعتْني بنتُ عمي من دخول الدَّار، وحالت بيني وبين ما فيها، ووقعنا في تَخبيط، فلم أَرَ الأمر يَصلُح حتَّى طلَّقتُ المرأة، ولم أقدر من بنت عمِّي أن أكلِّمه، وسمَّتْه النَّاصحَ، فقلت: ما لي إلا أن أُعتقه وأستريحَ منه، فعَتَقْتُه فقال: الآن وجب عليَّ حقُّك، ما أُفارقك.

وجاء أوان الحجِّ، فجهَّزتُه وزوَّدتُه، ومضى فغاب عنِّي عشرين يومًا وعاد، فقلت: ما الخبر؟ فقال: قُطِع عليَّ الطَّريق، والله تعالى قال: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وأنا غير مستطيع، ثمَّ أرادَ الغَزو (٣) فجهَّزته، فلما غاب عنِّي بعتُ كلَّ ما أملكه بالبصرة من عَقار وغيرِه، وخرجت منها خوفًا أن يرجع.

[وحكى] الصُّولي قال: دخلتُ على أبي العَيناء في آخر عمره وقد كُفَّ بصرهُ، فسمع صَريرَ قَلمي على الدَّفتر فقال: مَن هذا؟ قلت: عبدُك وابن عبدك محمد بن يحيى الصُّولي، قال: بل ولدي وابن أخي، ما تكتب؟ قلت: جُعلتُ فداكَ، أكتبُ شيئًا من النَّحو والتَّصريف، فقال: النَّحو من العلوم كالملح في الطَّعام (٤)، إذا أكثرتَ منه صارت القِدْرُ زُعاقًا، يا بنيّ إذا أردتَ أن تكون صدرًا في المجالس فعليك بمعاني القرآن والفقه، وإذا أردتَ أن تكون مُنادمًا للخلفاء وذوي المروءات فعليك بنُتَفِ الأشعار، ومِلحَ الأخبار، [وقال: الزُّعاق: الماءُ المالح].

وسأل القاضي ابن أبي دؤاد أبا العيناء (٥): ما أشدَّ ما أصابك في ذهاب بصرك؟ فقال: خَلَّتان؛ إحداهما: أنَّه يَبدؤني رجل بالسَّلام، وكنتُ أحبُّ أن أبدأه، والثانية:


(١) في (م ١): فرميته بحجر ....
(٢) أخرجه أحمد (٩٣٩٦)، ومسلم (١٠١) من حديث أبي هريرة .
(٣) في (خ) و (م ١): العود، والمثبت من تاريخ بغداد ٤/ ٢٩٤، والمنتظم ١٢/ ٣٥٧.
(٤) في (خ): القدر، والمثبت من (ف) و (م ١). وهو الموافق لما في المنتظم.
(٥) في (ف) و (م ١): وحكى الخطيب أن ابن أبي الدنيا القاضي سأل أبا العيناء … والمثبت من (خ) وهو الموافق لما في تاريخ بغداد ٤/ ٢٨٩.