[وقال أبو القاسم أيضًا:، فلمَّا كان بعد أيَّام قدم الحاجُّ من خُراسان، وإذا بجمَّال يقول جَملين وهو يقول: أين دار إبراهيم الحربيّ؟ [فدُلَّ عليه] وصادف الحربيَّ جالسًا على الباب، فقال: أنت إبراهيم الحَربيّ؟ قال: نعم، قال: خذ هذين الجملين بما عليهما، قال: وما عليهما؟ قال: كاغَد وإبرَيسَم، فقال: من أين هذا؟ قال: من رجل خُراساني، بعث بهما إليك، واستحلفني أن لا أقول من هو.
و [قال الخطيب بإسناده عن أبي القاسم الجبلي قال:] كان لإبراهيم ولد بلغ أحد عشر سنة علَّمه القرآن، والفقه، وأسمعه الحديث، فتوفِّي، فحزن عليه الجيران ولم يحزن عليه إبراهيم، فقيل له في ذلك فقال: كنتُ أشتهي موتَه، قيل له: مثلك يقول هذا؟! قال: نعم، رأيتُ [في المنام] كأنَّ القيامة قد قامت، والنَّاسُ في شدَّة من العَطَش، ورأيتُ صبيانًا بأيديهم قِلالٌ فيها ماء، وهم يَسقون النَّاس، فقلت لبعضهم: اسقني، فنظر في وجهي وقال: لستَ أبي، فقلت: ومَن أنتم؟ قالوا: نحن الصِّبيان الذين متنا في الدُّنيا وخلَّفْنا آباءنا، نستقبلُهم فنَسقيهم الماء، فلهذا تمنَّيت موته.
[وقال الخطيب:] كان إبراهيم مع فضله وزهده وورعه حسنَ الأخلاق، متواضعًا، ضاحكَ السّنِّ، وكان له حَلْقة بجامع المنصور يقرأ فيها الحديثَ، وكان يحضرها مع النَّاس حَدَثان، فأقاما على ذلك مدَّة، ثمَّ انقطع أحدهما وبقي الآخر، فكان الذي انقطع يأتي فيقف ظاهرَ الحلقة، والآخر جالس فيها، فبقي على ذلك مدَّة، فلما كان في بعض الجُمَع رمى ذلك الواقف رُقعة، فأخذها إبراهيم فقرأها، وإذا فيها [هذه الأبيات]: [من الطويل]
عفا الله عن عبدٍ أعانَ بدعوةٍ … خليلَين كانا دائمَين على الودِّ
إلى أن وَشَى واشي الهوى بنَميمةٍ … إلى ذاك من هذا فحالا عن العَهْدِ (١)
فرفع إبراهيم يديه وقال: اللهمَّ اجمع بينهما على طاعتك وفيما يقرِّبهما إليك، وأمَّن الحاضرون، فلمَّا جاءت الجمعة الأخرى إذا بالغلامين قد جاءا فجلسا مكانهما، فعجب الحاضرون.
(١) انظر مروج الذهب ٨/ ١٨٤ - ١٨٨، وسير أعلام النبلاء ١٣/ ٣٦٤ - ٣٦٦.