للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان في يد عمرو.

ثمَّ جاء كتاب المعتضد إلى إسماعيل يَعزم عليه، فما رأى بدًّا من تسليمه، فبعث به إلى المعتضد، فدخل بغداد على جَملٍ ليشهروه، فقال الحسين بن محمَّد بن الجَهْم (١): [من الطويل]

ألم تَرَ هذا الدَّهرَ كيف صُروفُهُ … يكون يَسيرًا مرَّةً وعَسيرا

وحَسْبُك بالصَّفَار نُبْلًا وعِزَّة … يروحُ ويَغدو في الجيوش أميرا

حَباهُم بأجْمالٍ ولم يَدْرِ أنَّه … على جَمَلٍ منها يُقادُ أسيرًا

أشار إلى أنَّه كان يحمل الأموال والهدايا إلى بغداد على الجمال، ثمَّ حبسه المعتضد في مَطْمورة، وكان يقول: لو أردت أن أعملَ على جَيحون جسرًا من ذهب لعملتُ، وكان مَطبخي يُحمل على ستِّ مئة جمل، وأركب في مئة ألف، أصارني الدَّهر إلى المطامير والقيود والذُّلِّ، وأقام في المطمورة إلى سنة تسع وثمانين ومئتين، ومات في أيام المكتفي، وقيل: إنَّه غُمَّ عند موت المعتضد، وقيل: في حياته (٢).

وقال الطَّبريُّ: إنَّما دخل عمرو بن الليث بغداد في سنة ثمان وثمانين ومئتين في جمادى الأولى ومعه أشناس غلام إسماعيل بن أحمد، قال: وذكر لي أنَّ إسماعيل خيَّره بين المقام عنده أسيرًا وبين توجيهه إلى باب أمير المؤمنين، فاختار توجيهه إلى المعتضد (٣).

فأدخل بغداد يوم الخميس مستهلَّ جمادى الأولى، وركب أبو النَّجم بدر، والقاسم بن عبيد الله الوزير، والقوَّاد والنَّاس جميعًا، وعمرو بن الليث على جَملٍ له سنامان في غاية الارتفاع، وقد أُلبس الجمل الدِّيباج، وحُلّي بذوائب فِضة، وعلى عمرو دُرَّاعة ديباج، وبُرْنُس طويل، وطيف به في شوارع بغداد، وأُدخل على المعتضد فأوقف بين يديه ساعة، فقال له: يا عمرو، هذا ببَغْيك، ثمَّ أُخرج إلى حُجرة كانت قد أُعدَّت له،


(١) كذا في النسخ وتاريخ الإِسلام ٦/ ٦٥٨، والذي في مروج الذهب ٨/ ٢٠٨: الحسن بن فهم، وفي وفيات الأعيان ٦/ ٤٢٩: الحسين بن محمَّد بن الفهم.
(٢) ذكر الطبري ١٠/ ٧٦، وابن الأثير ٧/ ٥٠٠ - ٥٠٢ خبر عمرو بن الليث في أحداث سنة (٢٨٧ ص).
(٣) تاريخ الطبري ١٠/ ٨٣.