صلاة الجمعة لا تقام ببغداد إلَّا في جامع المنصور والرصافة، وكان أهل دار الخلافة يصلُّون في غير جامع، فبنى موضعَ المطامير المسجدَ الجامع في الرَّحْبَة عند باب العامَّة، واستقرَّت الصَّلاة في الجوامع الثلاثة إلى خلافة المتَّقي، وأمر بردِّ الدُّور والبساتين والحوانيت التي أخذها أبوه بباب الشمَّاسيَّة على أهلها، ولم يأخذ منهم أثمانَها، وفرَّق أموالًا جَليلة، وردَّ المَظالم، وسار في النَّاس سيرةً جميلة، فمالت قلوب النَّاس إليه، وكثرت له الأدعية.
ومات عمرُو بن اللَّيث في غد اليوم الذي دخل فيه المكتفي إلى بغداد، ودُفن بالقرب من القصر الحسني.
وقد كان المعتضد عند موته لمَّا امتنع من الكلام أمر صافيًا الحُرَميَّ بقتل عمرو، وأومأ إليه، وأشار بيده ووضعها على رقبته وعينه أن اذبح الأعور، وكان عمرو أعور، فلم يفعل صافي لعِلْمه بحال المعتضد وقُرب وفاته، فلمَّا وصل المكتفي ودخل بغداد سأل القاسمَ الوزير عن عمرو: أحيّ هو؟ قال: نعم، فسُرَّ بحياته وقال: أُريد أن أُحسِن إليه، وكان عمرو يُهدي إلى المكتفي وَيبَرُّه أيَّام مقامه بالرّي برًّا كثيرًا، فذُكر أنَّ القاسم كره ذلك، فدسَّ إلى عمرو مَن قتله.
وفي رجب ورد الخبر إلى بغداد أنَّ جماعة من أهل الرَّيِّ كتبوا إلى محمَّد بن هارون الذي كان إسماعيل صاحب خُراسان بعثه لقتال محمَّد بن زيد العلويِّ وولاه طَبَرِستان، فخلع محمَّد بن هارون المكتفي، ولبس البَياض، وسأله أهل الرَّيِّ المصيرَ إليهم، وكان واليهم أوكرتُمش قد أساء السِّيرة فيهم، فصار محمَّد بن هارون إلى الرَّيِّ، فخرج عليه أوكرتمش فحاربه، فهزمه محمَّد وقتله، وقتل ابنَين له وقوَّادَه، ودخل الريَّ فاستولى عليها.
وفي رجب زُلزلت بغداد زَلزلةً عظيمة، ودامت أيَّامًا.
وفيها قُتل بدر المعتضدي، وسنذكره إن شاء الله تعالى (١).
وفيها خُلع على أحمد بن محمَّد بن بسْطام، ووُلِّي آمِد وديار ربيعة.