وفيها هبَّت ريح بالبصرة، فقلعت عامَّةَ نخلها، ولم يُسمع بمثل ذلك.
وفيها ظهر بالشام يحيى بن زَكرويه، وجمع جموعًا كثيرة من الأعراب وغيرهم، فأتى دمشق. وبها طُغْج بن جُفّ من قبل هارون بن خُمارويه، فخرج إليه طغج، فكان بينهما وقعات كثيرة في آخر هذه السنة، وقيل: في أول سنة تسعين.
والسبب في خروجه أنَّ زكرويه بن مهرويه داعية قرمط لمَّا رأى متابعة الجيوش من المعتضد إلى مَن بسواد الكوفة، وأنَّه أثخن فيهم القتل، ورأى أنَّهم لا طاقةَ لهم به، سعى في جماعة من الأعراب الذين يقربون من الكوفة من أسد وطيئ وتميم وغيرهم، ودعاهم إلى رأيه، وزعم أنَّ مَن بالسَّواد يوافقونهم على أمرهم إن استجابوا له، فلم يستجيبوا له.
وكان جماعة من كلب وغيرهم يَخفِرون الطريق على السَّماوة فيما بين دمشق والكوفة على طريق تدمر وغيرها، ويحملون الرُّسل وأمتعة التجَّار على إبلهم، فأرسل زكرويه أولادَه إليهم، فبايعوهم وخالطوهم، وانتموا إلى عليِّ بن أبي طالب رضوان الله عليه، وإلى [محمد بن] إسماعيل بن جعفر (١)، وذكروا أنَّهم خائفون من السُّلطان، وأنَّهم يلجؤون إليهم، فقبلوهم، ثمَّ دبوا فيهم بالدُّعاء إلى رأي القَرامطة، فلم يَقبل ذلك إلا قبيلةٌ من بني عَدي بن جَناب خاصة فقبلوهم، وبايعوهم في آخر هذه السنة بناحية السَّماوَة.
وكان المشار إليه في القرامطة يحيى بن زكرويه، ويكنى أبا القاسم، ولقبه الشيخ، وزعم أنَّه أبو عبد الله بن محمَّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمَّد، وقيل: بل زعم أنَّه محمَّد بن عبد الله بن [محمد بن] إسماعيل بن جعفر بن محمَّد بن عليّ بن الحسين، وقيل: لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابنٌ يسمَّى عبد الله، وزعم لهم أنَّ أباه المعروف بأبي محمود داعيةٌ له، وأنَّ له بالسواد والمشرق والمغرب مئة ألف تابع، وأنَّ ناقته التي يركبها مَأمورة، وأنَّهم متى اتَّبعوها في مسيرها ظَفروا، وأظهر عَضُدًا له ناقصًا، وذكر أنَّه آية.