للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجل فقال: ما تصنع بي؟ قال: أصيِّرك بوابًا على باب داري، قال: فاشترني، فاشتراه وجاء به إلى باب داره، فأقعده على الباب، وكان للرجل ثلاث بنات بغايا يبغين في القرية، فأراد مولاه الخروج إلى ضيعة له فقال: يا بني، إني قد أدخلتُ إليهنَّ طعامهن وشرابهن وما يحتجن إليه فأغلِقِ الباب واجلسْ من ورائه لا تفتحه حتى أعود، وغاب سيِّدُه فأَغلق الباب عليهن، وكان يقعد طول النهار على الباب فينادينَه: افتح الباب، فلم يفتح، فنادينه ثانيًا وثالثًا فلم يفتح فشججنه مُوضِحَةً، فغسل الدم عن وجهه فعدنَ فشججنَه فلم يفتح، وقدِمَ سيِّده فلم يخبره بشيء، فعاد سيده فغاب، ففعلْنَ به كما فعلن في الأول، وقدم سيده فلم يخبره بشيء، ثم غاب سيده ثالثًا وفعلْنَ به كما فعلْنَ في المرة الثانية، وقَدِمَ مولاه فلم يخبره بشيء، فقالت الكبرى: ما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله ﷿ مني، والله لأتوبن. قال: فتابت. فقالت الوسطى: ما بال هذا العبد الحبشي وأختي أولى بالتوبة مني، فتابت. وقالت الصغرى كذلك وتابت. فقالت غواة القرية: ما بال هذا العبد الحبشي وبنات فلان أولى بطاعة الله منا. فتاب الرجال والنساء وصاروا زهادًا عبادًا (١).

وقال الواقدي: كان لقمان قاضيًا في بني إسرائيل يسكن ببلد أَيلَة ومَديَن، ولم يزل زاهدًا في العالم يسكن فيافي الأرض.

وعامة المؤرخين على أنه كان في زمان داود إلا ابن المنادي، فإنه قال: كان على عهد زكريا ويحيى، وكان يسكن الرَّملة، وقام ما بين الرملة وبيت المقدس حتى مات، وهو وَهمٌ منه، والأول أصح.

واختلفوا هل كان نبيًا أم عبدًا صالحًا؟ على قولين:

أحدهما: أنه كان نبيًا، قاله ابن المسيب. وحكاه الثعلبي عن عكرمة، ثم قال الثعلبي: تفرَّد عكرمة بهذا (٢).

وعامة العلماء على أنه كان عبدًا صالحًا أطاع الله فآتاه الله الحكمة.


(١) "التوابين" ص ١١٠ - ١١١.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٥١.