فأخبره] أنَّه (١) كان قائمًا على دجلة، فرأى صيادًا قد طرح شبكتَه، فتعلَّقت بشيءٍ ثقيل، فأخرجها، وإذا بجراب، فظنَّه مالًا، وإذا فيه آجُرّ وبين الآجر كف مخضوبة بالحِنَّاء، فتحيَّر المعتضد وقال: قل للصيَّاد يَطرح الشَّبَكة، فطرحها، فخرج فيها جراب فيه رِجْل، ورمى الشبكة فلم يخرج شيءٌ، فتحيَّر المعتضد وقال: إنَّا لله، معي في البلد مَنْ يَقتل النَّاسَ ويقطِّع أعضاءهم؟! ما هذا مُلْك.
وأقام يومه مَغمومًا لم يَطْعم طعامًا، واستدعى برجلٍ لا يُؤبه إليه، وأعطاه الجراب فارغًا، وقال له: طُفْ به في البلد على كلِّ من يعمل الجُرُب، وابحث عنه، فأخذه الرجل، وغاب ثلاثة أيام، وعاد فأخبره أنَّه طاف الدَّبَّاغين وأصحاب الجُرُب حتَّى عرف صانعه، وأنَّه سأله عنه، فقال: نعم، اشتراه منِّي عَطَّارٌ بسوق يحيى، وأنَّه اشتراه منه ومعه عشرة جُرُب، [وهو] فلان الهاشميّ من ولد المهديّ، عظيم إلا أنَّه أشرُّ النَّاس وأفسدُهم لحريم المسلمين، وما في البلد مَن يُنهي خبرَه إلى المعتضد؛ خوفًا من شرِّه وتمكّنه من الدّولة والمال والجاه، فلم يزل يحدّثني حتَّى قال: وحسبُك أنَّه كان يَعْشَق فلانة المغنّية جارية فلانة المغنّية، وكانت كالدِّينار المنقوش، وكالقمر الطَّالع، وكانت قد باعتها بألف دينار، فبعث إليها بدنانير عن حقّ ثلاثة أيام، وقال: لا أقل من [أن] أودّعها، فلما صارت إليه غيَّبها، وادَّعى أنَّها هربت من داره، فلم يُعرَف لها خَبَر، وقال الجيران: إنَّه قتلها، وقد أقامت عليها مولاتها المأتم، وكلَّما جاءت إلى بابه شتمها وضربها.
فلمَّا سمع المعتضد هذا سجد شكرًا لله حيث انكشف له الأمر، وأرسل إلى الهاشميِّ فأحضره وستّ الجارية، وأخرج اليد والرّجْل، فلمَّا رآها الهاشميُّ امتُقع لونُه، وأيقن بالهلاك، فقال: اقتلوه، فكلَّمه فيه الوزير عبيد الله وقال: الحبس، فحبسه، وأغرمَه ثمنَ الجارية، ودفعه إلى ستِّها، واستأصله وباع عقاره، فلا يُدرى هل قتله أم مات في الحبس؟!.
(١) ما بين معكوفين من (ف م ١)، وجاء بدله في (خ): وأخبر بعض خدامه أنه، والخبر في الأذكياء ٦٠ - ٦٢ عن التنوخي.