للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشاهد الصُّنَّاع يبنون، فرأى [في] الفَعَلة غلامًا أسودَ، مُنكَر الخَلْق، شديدَ المرَح، يصعد على السلالم مِرْقاتين مرقاتين، ويحمل أضعافَ ما يحمله غيره، فأنكر ذلك، وقال لابن حمدون: أيّ شيءٍ يقع لك في أمره؟ فقال: ومَن هو هذا حتَّى صرفتَ فِكرَك إليه؟ ولعله لا عيال له، فهو خالي القلب، فقال المعتضد: قد خمَّنتُ فيه تخمينًا إمَّا أن يكون معه دنانير قد ظَفِر بها، أو يكون لصًّا يتستَّر بالعمل في الطِّين.

فأحضره وقال: مَقارع، فضُرب مئةَ مَقْرَعَة، فلم يُقرَّ بشيءٍ، فقال: عليَّ بالسَّيف والنِّطع، وقال: اضربوا عُنُقه، فقال الأسود: أنا آمِن؟ فقال: نعم، إلا ما كان فيه حدٌّ، فلم يفهم ما قال، وظنَّ أنَّه قد أمَّنه، فقال: كنتُ أعمل في أتاتين (١) الآجر مدَّة، فمرَّ رجل، وحلَّ من وَسَطه هِمْيانًا، وأخرج منه دنانير، ثمَّ شدَّه، فقمتُ إليه فكتَّفْتُه، وسَدَدْتُ فاه، وألقيته في نُقرة الأتُّون وطينتُه، فلما كان بعد أيام أخرجتُ عِظامَه، وطرحتُها في دجلة، والدّنانير معي أتقوى بها.

فأمر المعتضد بحلِّ الهِميان من وسطه، فحُلَّ، وإذا اسمه عليه مكتوب، فنودي في البلد باسمه، فجاءت امرأتُه ومعها طفلٌ صغير، فقالت: زوجي، وهذا ابني منه، وإنَّه خرج من عندي يوم كذا وكذا ومعه هِمْيان فيه ألفُ دينار، فغاب إلى الآن، ولا أدري ما فُعل به، فأعطاها الهِمْيان، وأمرها أن تعتدَّ، وضرب عنق الأسود.

[حديث الغلام:

حكى القاضي التنوخي عن أبيه قال:] قام (٢) المعتضد ليلة لحاجة له، فرأى بعض الغلمان [قد نهض عن ظهر غلام، ومشى على أربع حتَّى اندسَّ بين الغلمان] فجاء المعتضد، فجعل يضع يده على صدر واحد واحد، إلى أن وضع يده على صدر ذاك الغلام، فرأى فؤادَه يخفق خَفَقانًا شديدًا، فركضه برجله فقعد، فقال: وَيحك ما صنعتَ؟ فأنكر، فدَعى بآلة العقوبة، فأقرَّ، فقتله.

[حديث الصياد:

حكى القاضي المحسّن أيضًا قال: بلغنا أن خادمًا من خدم المعتضد جاء يومًا


(١) واحدها أتون، الموقد. لسان العرب (أتن).
(٢) ما بين معكوفين من (ف م ١)، والخبر في الأذكياء ٦٠ عن التنوخي.