القطَّان من الخوف، وسيحدِّث بما جرى العامَّةَ، ويزيد فيه، ويسمع الناسَ ما تقدَّمنا به إلى المحتسب، وما نحن عليه من النَّظر في أمور الرعيَّة، فتكفُّ العامَّة ألسنتَها عنَّا، وتقوم الهيبة في نفوسها، ويكون ما تكلَّفتُ من هذا القليل قد كفاني مُؤنة التَّعب في الكثير، [قال:] فدعونا له.
[حديث المعتضد مع الملَّاح:
حكى القاضي المحسّن عن أبيه، عن الحسن بن محمَّد الصّلحي قال: حدَّثني أحد خُدَّام المعتضد قال:] كان المعتضد (١) يومًا نائمًا نصف النَّهار فصاح: يا غلمان، انزلوا الشَّطَّ، فأوَّل ملَّاح ترونه مُنحَدِرًا فأتوني به، فنزلوا، وإذا بملَّاح مُنْحَدر إلى واسط وسفينتُه فارغة، فأحضروه بين يديه، فقال له: حدِّثني حديث المرأة، فتلكَّأ عليه، فقال له: اصدق، فقد عرفتُ حالها، فقال: يا أمير المؤمنين، نزلتْ معي اليوم وقتَ السَّحَر امرأةٌ جميلة، وعليها ثياب لها قيمة وحليّ، فطمِعْتُ فيها، فغرَّقْتُها وأخذتُ ما كان عليها، وقلتُ أذهب إلى واسط فأعيش فيه، فقال: أحضِر الثّيابَ والحلي، فأحضره، ثمَّ نادى في بغداد على المرأة، فجاء أهلُها، فأعطاهم الثّياب والحليّ، وغرق الملَّاح ونادى: لا ينزل أحدٌ مع ملَّاح حتى يطلع النَّهار، فقال له بعض الخدم: يا مولاي، أُوحي إليك؟ قال: لا، ولكن رأيتُ في منامي الساعة شيخًا أبيض الرأس واللحية يقول: يا أحمد، أوّل ملَّاح ينحدر السَّاعة اقبض عليه، وقرِّرْه على المرأة التي قتلها، وأقِمْ عليه الحدَّ، فكان ما رأيتم.
[حديث الخيّاط:]
حكى القاضي المحسِّن أنَّ بعض التُجَّار كان له على بعض القُوَّاد دَين، فمطله مدَّة ولم يعطه شيئًا، فقال له بعض معارفه: فأين أنت من فلان الخيَّاط؟ فقال: وما يصنع الخيَّاط بالقائد؟! فقال: بلى، قم بنا إليه.
فجاء به إلى الخيَّاط، وكان في مسجد يَخيط الثياب ويُقرئ القرآن، فقصَّ عليه القصَّة، فنهض معه إلى القائد، فأكرمه واحترمه وقام إليه، فقال: هل من حاجة؟ قال:
(١) في (خ): وقال بعض خدم المعتضد: كان المعتضد، والمثبت من (ف م ١)، والخبر في المنتظم ١٢/ ٣١١ - ٣١٣ عن المحسن.