للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم، هذا الشيخ تُعطيه ماله، فقال: إي والله، معي بعضُه ويصبر بالبعض، فأخذ ما كان معه وخرجوا، فقال التاجر للخياط: قد تفضَّلتَ [عليّ] وأنعمتَ، فأخبرْني ما سببُ انقياد هذا الظالم لك؟ فقال: أنا منذ أربعين سنة أُقرئ القرآن في هذا المسجد وأخيط، وليس بيني وبين أحد أمر، صلَّيت المغرب ليلةً، وخرجتُ أريد بيتي، وإذا بتركي قد تشبَّث بامرأة طويلة جميلة وهو سكران، وهو يسحبها إلى داره، وهي تبكي وتقول: قد حلف زوجي بالطلاق أنَّني لا أبيت إلا في داري، وإنَّما خرجت إلى الحمام.

[قال:] فتقدَّمتُ إليه وسألتُه فيها، فضربني بدَبّوس فشجَّ رأسي، وأدخلها إلى داره قهرًا، فأتيتُ المسجد، فصليتُ العشاء الآخرة، وقلت لأصحابي: قوموا بنا نخلِّصِ المرأة، فأتينا باب داره، فخرج هو وغلمانه فضربونا ضربًا شديدًا كدتُ أموت، وحملوني إلى بيتي فلم أقدر على النّوم، وفكَّرت في أمر المرأة وطلاقِها، فصعدتُ إلى المنارة التي في المسجد وقلت: أؤذن فالتركي ما يعرف الوقت -وكانت داره قريبة من المسجد- فلعلَّه أن يخرجها قبل الفجر، فأذَّنتُ نصف الليل ونزلتُ، فجلستُ على الطريق أنتظر خروج المرأة، وإذا بالشارع قد امتلأ خيلًا ورَجِلًا ومشاعل، فقالوا: من أذَّن الساعةَ؟ فقلت: أنا، فحملوني وأدخلوني على المعتضد، وهو جالس والشمع على أنصافه (١)، فقال: أنت أذَّنت الساعة؟ قلت: نعم، فقال: ما حملك على أن تَغُرّ النَّاس [بأذانك] في هذا الوقت؟ فقصصتُ عليه القصَّة، وأريتُه الآثارَ التي في وجهي ورأسي وبدني، فقال: يا بدر، الساعة تحضر المرأة والتركي فحضرا، فسألها [المعتضد] عن حالها، فذكرت له مثل ما ذكرتُ له، فقال لبعض الخدم: امض معها إلى زوجها، وقيل له يحسن إليها ولا يفارقها، ثمَّ قال للتركي: كم عطاؤك في كلِّ شهر؟ فقال: كذا وكذا، فقال: أما كان لك ما يُغنيك عن هتك محارم الله حتَّى وثبتَ على هذا الشيخ الصَّالح، وفعلتَ به هذا الفعل حيث أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر؟

ثم قال: جَوالِق (٢) ومَداقّ الجَصّ. فقيد التركيَّ وجعله في الجوالق، وأمر الفرَّاشين فدقُّوه حتَّى فتَّتوا عظامه، ثمَّ رمى به في دجلة، وقال: يا شيخ، متى ما رأيت مُنكرًا قل أو أكثر فالعلامة بيننا الأذان في مثل ذلك [الوقت].


(١) في (ف): أصنافه.
(٢) وعاء كبير، أو هو العِدْل من صوف أو من شعر، وعند العامة (شوال)، معرب.