قال يحيى بن عليّ النَّديم: كنتُ واقفًا على رأس المعتضد وهو مُقَطِّب، فدخل بدر فأسفَر وجهُه لمّا رآه وضحك، ثمَّ قال لي: يَا يحيى، من القائل:[من البسيط]
في وَجهه شافعٌ يمحو إساءتَه … من القلوب وَجيهٌ حيثما شَفعا
فقلت: الحكم بن قنبر المازنيّ، فقال: أنشدْني تمامَه، فأنشدتُه:
كأنَّما الشمسُ من أعطافه لَمَعَتْ … حُسْنًا أو البَدرُ من أزراره طَلَعا
مُسْتَقْبَلٌ بالذي يَهوى وإن كَثُرتْ … منه الذُّنوب ومَعذورٌ بما صَنَعا
وَيلي على مَن أطارَ النَّومَ فامتنعا … وزاد قلبي إلى أوجاعه وَجَعا (١)
وكان بدر جوادًا مُمَدَّحًا سَخيًّا شجاعًا، وكان يؤثر القاسم بن عبيد الله ويتعصَّب له، فقال له المعتضد: والله لا قتله غيرُه، فكان كما قال.
وذلك أنَّ القاسم كان قد همَّ بتغيير الخلافة بعد المعتضد في غير ولده، فناظر بدرًا في ذلك، فامتنع بدر وقال: ما كنتُ بالذي أصرف الأمر عن ولد مولاي الذي هو وليُّ نعمتي، فلمَّا رأى القاسم ذلك وعلم أنَّه لا سبيلَ إلى مخالفة بدر؛ إذ كان المستولي على أمر المعتضد، والمطاعَ في غلمانه وخدمه، اضْطَغَنها على بدر، وحدث على المعتضد الموت وبدرٌ بفارس -وكان زعيمَ الجيوش- فبايع القاسم المكتفي وهو بالرَّقَّة على ما ذكرنا، وقدم المكتفي بغداد، فعمل القاسم في هلاك بدر، فخاف أن يطَّلع المكتفي على ذلك فيكون سببًا لهلاكه.
وكان بين المكتفي وبدر تباعُدٌ في أيام المعتضد؛ لأنَّ بدرًا كان حاكمًا على الجيوش والخزائن، فأشار القاسم على المكتفي أن يكتب إلى بدر بأن يقيم مكانَه بفارس، ويبعثَ إليه المال له ولأصحابه، وأن يختار من الولايات ما شاء، ولا يقدمَ إلى الحضرة، وقال للمكتفي: أخاف عليك منه، فكتب إليه مع يانس الموفَّقي بذلك، وبعث معه بعشرة آلاف أَلْف درهم، فلما وصل إلى بدر فكّر، وخاف لبُعده عن المكتفي من حيلةٍ تَنْفُذ من القاسم عليه، فكتب إلى المكتفي يقول: لا بدَّ من المصير إلى الحضرة، وأن أشاهد مولاي، فقال له القاسم: قد جاهَرَك بالمعصية، ولا آمَنُه عليك.
(١) مروج الذهب ٨/ ٢٢٣، والبيت الأخير عندنا هو الأول فيه.