للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكاتب القاسمُ القوَّاد الذين كانوا مع بدر بالمصير إلى باب الخليفة، فأوقفوا بدرًا على الكتب، وقالوا: قم بنا حتَّى نجمعَ بينك وبين الخليفة لتأمنَ على نفسك، فقال: قد كتبتُ كتابًا إليه، وأنا منتظرٌ جوابَه، ففارقوه ووصلوا إلى بغداد.

وجاء بدر فنزل واسِطًا، فندب القاسمُ القاضي أَبا خازم وقال له: اذهب إلى بدرٍ برسالةِ أمير المُؤْمنين، وأنَّه آمِنٌ على نفسه وماله، وأعطِه العهودَ والمواثيق، فامتنع أبو خازم -وكان ذا وَرَعٍ ودين- وقال: ما أؤدي عن الخليفة رسالةً لم أسمعْها منه، قال القاسم: أما تَقنعُ بقولي؟ قال: ما يكفيني قولُك في مثل هذا، فتركه، وندب القاضي أَبا عمر محمَّد بن يوسف لذلك، فأجاب فسرعًا، ولم ينظر كما نظر أبو خازم، وانحدر إلى واسط فاجتمع ببدر، وأعطاه العهود، والأيمان المُغَلَّظَة، والأمان عن الخليفة.

فنزل بدر في طيَّار، وترك أصحابَه بواسط، وأمرهم أن يلحقوه، فبينما هو يسير إذ تلقاه لؤلؤ غلامُ القاسم -وقيل: بل هو غلامٌ محمَّد بن هارون الذي قتل محمَّد بن زيد بطَبَرِستان- في جماعة من الخَزَر، فنقلوا [القاضي] (١) إلى طيَّار آخر، وأصعدوا بدرًا إلى جزيرة، فلمَّا علم أنَّهم قاتلوه قال: دعوني أصلِّي ركعتين وأوصي، فتركوه، فأوصى بعتق مماليكه وجواريه وصدقةِ ما يملك، وذبحوه في الركعة الثَّانية، وذلك في ليلة الجمعة السابعة والعشرين من شهر رمضان (٢)، وألقَوا جسده في الجزيرة، وقدموا برأسه على المكتفي، فسجد وقال: الآن ذُقتُ لذَّةَ الخلافة، وحُمل رأس بدر إلى الخزانة.

وأكثر النَّاسُ ذمَّ القاضي محمَّد بن يوسف وقالوا: هو الذي غرَّ بدرًا وأعطاه أمانًا باطلًا، ومدحوا أَبا خازم، وندم القاضي محمَّد حيث لا ينفعه النَّدم، وقالت النَّاس الأشعار، فمن ذلك: [من الخفيف]

قل لقاضي مدينةِ المنصورِ … بمَ أحللْتَ أخذَ رأسِ الأميرِ

بعد إعطائه المواثيقَ والعهـ … ـد وعَقْدِ الأمان في مَنْشورِ


(١) زيادة يقتضيها السياق. وهو الموافق لما في مروج الذهب ٨/ ٢١٧، وتاريخ الإِسلام ٦/ ٦٦٥.
(٢) في مروج الذهب ٨/ ٢١٨، وتاريخ الطبري ١٠/ ٩٢، والكامل ٦/ ٥١٨: وذلك في يوم الجمعة قبل الزوال لست خلون من شهر رمضان.