للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضفتين أو المد، فإن قال: ما بين الضفتين فقل له: فاحبس عنِّي المدَّ، وإن قال: اشرب المدَّ فقل: فاحبس عني ما بين الضفتين فإنه لا يقدر على ذلك. وجاء القامر فأجابه بجواب لقمان، فذهب الوجل خائبًا، فأعتقه مولاه، قاله مكحول الشامي والربيع بن أنس.

وقد أخرج هذه الحكاية جدي في "كتاب الأذكياء" بإسناده إلى مكحول قال: كان لقمان عبدًا نوبيًا أسود كان قد أعطاه الله الحكمة، وكان الرجل من بني إسرائيل اشتراه بثلاثين مثقالًا ونَش، يعني نصف مثقال، وذكره بمعناه (١).

والخامس: أنَّ سيده دخل الخلاء فأطال الجلوس فيه، فناداه لقمان: إن طول الجلوس على الخلاء يورث البواسير ويرقي الأبخرة إلى الرأس ويفسد الكبد، فاجلس هوينًا وقم هوينًا. فخرج مولاه وكتب على باب الحُشِّ تلك الكلمات. وقال: هذه حكمة لقمان. قاله أبو روق.

والسادس: رواه الضحاك عن ابن عباس قال: وأقام لقمان سنة لا ينطق، فاجتمع إليه أولاد الأنبياء والحكماء وقالوا له: تكلم. فقال: لا خير في الكلام إلا بذكر الله، ولا بالسكوت إلا بالفكر في المعاد.

وقال زيد بن أسلم: قيل للقمان: ألستَ عبدًا حبشيًا فمن أين لك هذه الحكمة؟ فقال: لصدق هذا الحديث، وترك ما لا يعنيني. قال: وكان يسلف بأمانة الله ولا يأخذ رهنًا ولا كفيلًا، فكثر ماله ونما حاله.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده إلى عبد الله بن دينار قال: قَدِمَ لقمانُ من سفر، فتلقَّاه مولى له فقال: ما فعل أبي؟ قال: مات. قال: ملكتُ أمري. قال: فما فعلتْ أمي؟ قال: ماتت. قال: ذهب همي. قال: ما فعلت ابنتي؟ قال: ماتت. قال: سُترت عورتي. قال: ما فعلت امرأتي؟ قال: ماتت، قال: جُدِّدَ فِراشي. قال: ما فعل أخي. قال: مات. قال: انقطع ظهري (٢).


(١) "الأذكياء" ص ٢٧ - ٢٨.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٥٢، وتفسير الثعلي ٧/ ٣١٧، ٣١٨، وتاريخ دمشق ٢٨/ ٣٧ - ٣٨، والزهد لأحمد (٥٥٨).