للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢].

قال ابن عباس: المراد بالحكمة هاهنا: العقل والفهم والإصابة في القول (١).

وقال وهب: قرأت في حكمة لقمان عشرة آلاف باب لم تسمع الناس كلامًا أحسن منه، ثم رأيت الناس قد أدخلوه في كلامهم واستعانوا به في خطبهم.

واختلفوا في أول ما ظهر من حكمته على أقوال:

أحدها: ما حكينا عنه أنه قال لما قيل له: هل لك أن تكون خليفة؟ وقد ذكرناه عن النبي .

والثاني: أنه كان يختلف إلى داود يقتبس منه، فاختلف إليه سنة لم ينطق بلفظة، وداود ينسج درعًا، وحكمة لقمان تمنعه من السؤال، فلما تمت الدرع قام داود فلبسها- أو صبَّها على نفسه- وقال: نِعم درع الحرب هذه، قال لقمان لما رأى ذلك: الصمتُ حِكَمٌ وقليلٌ فاعِلُه. فقال داود: انظروا إلى رجل أوتي الحكمة ووقي الفتنة. قاله مقاتل.

والثالث: أنَّ سيده أمره أن يذبح شاةً ويأتيه بأطيب مضغة فيها وأخبث، فجاءه باللسان والقلب، فقال: ما هذا؟ فقال: ليس في الحيوان أطيب منهما إذا طابتا ولا أخبث منهما إذا خبثتا. قاله ابن أبي نجيح (٢).

والرابع: أن مولاه الذي اشتراه بثلاثين دينارًا وكان يخاطر على النرد، وعلى بابه نهر جار، فلعب يومًا مع رجل على أنه إن قُمر شرب ماء النهر كله أو يفتدي نفسه بما يريد صاحبه، فقمر، فقال له القامر: إما أن تشرب ماء النهر وإلا فقأتُ عينك أو أخذت جميع مالك، فقال: أمهلني الليلة. وأمسى كئيبًا قلقًا، وجاء لقمان حاملًا حزمة حطب على ظهره فوضعها، فرأى سيِّدَهُ حزينًا فسأله عن حاله، فأعرض عنه ازدراء به، فأعاد عليه القول فلم يلتفت إليه، فقال: أخبرني لعلَّ الله أن يجعل لك على يدي فرجًا، فأخبره فقال: لا تغتم إذا جاءك وقال: اشرب ما في النهر فقل له: أشربُ ما بين


(١) انظر "الدر المنثور" ٥/ ١٦١.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢١/ ٦٧ - ٦٨ عن خالد الربعي. وانظر "عرائس المجالس" ص ٣٥٢.