لما اشتدَّت عِلَّة المكتفي في ذي القَعْدة سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر، فصحَّ عنده أنَّه بالغ، فأُحضر في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، وأحضر القضاةَ والشُّهود، وأشهدهم على نفسه أنَّه قد جعل العهد إليه، وبويع بالخلافة بعد وفاة المكتفي سَحَر يومِ الأحد لأربع عشرة ليلةً خلت من ذي القَعْدة، ولما أراد الجلوس صلَّى أربع ركعات، وما زال يرفع صوته بالدُّعاء والاستخارة، وصلَّى على حصير على الأرض، ولم يصعد إلى سرير الخلافة تواضعًا، ولقِّب المقتدر بالله وهو ابن ثلاث عشرة سنة وشهر وأحد عشر يومًا، ولم يَلِ الخلافة من بني العبَّاس قبله أصغرُ منه.
وقال الصُّولي: لما ثَقُل المكتفي عزم العبَّاس الوزير على أن يبايعَ محمدَ بن المعتمد خوفًا من ابن المعتزّ؛ لأنَّه كان يخافه، وكان محمد بن المعتمد يجالس المكتفي، فأحضره العبَّاس ليلًا، وأحضر القاضي محمدَ بن يوسف، وأراد محمدًا على البيعة، وطلب منه أن يؤمِّنَه على نفسه وماله أو يستوزرَه، وكان محمد بن المعتمد عاقلًا أديبًا ذا صيانة ومذهب جميل، فقال: ما كنت لأحلِفَ وروحُ المكتفي في جسده، وإن لم أوفِّ لك بغير يمين لم أوف لك بيمين، فقال له القاضي: ارضَ منه بهذا، فقال: قد رضيت، وأفاق المكتفي من مرضه.
ثمَّ إنَّ محمد بن المعتمد تَنازع مع صاحب الشرطة في ميراثٍ لمولى محمد كان قد استولى عليه صاحبُ الشرطة، فاغتاظ محمد، وجعل ينتفض من الغيظ، ففُلِج في وقته، فيئس العبَّاسُ منه، وجعل يميز بين عبد الله بن المعتز وغيرِه، فقال فاتك المعتضدي: والله لا عَدَلْنا بها عن ابن مولانا -يعني المقتدر- ولو لم يكن للمعتضد ابنٌ أقعدنا بعضَ بناته، ووافقه صافي الحُرَميُّ، وكره الوزير خلافهما.
ولما أفاق المكتفي قال له صافي الحُرَميُّ: إن رأى أميرُ المؤمنين أن يبعث إلى محمد بن المعتمد وعبدِ الله بن المعتز فيُوكل بهما في دارهما، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّ النَّاس قد ذكروهما لهذا الأمر، فقال المكتفي: فهل تكلَّم أحد منهما في شيء؟ قال صافي: ما علمتُ شيئًا، قال: فما ذَنْبُهما إن أَرْجف النَّاس بشيء لم يذكراه، فلا تعرَّضْ لهما، فإنَّهما قد ولدهما خليفتان.
(١) من هنا إلى ترجمة إبراهيم بن نوح ليس في (ف م ١).