للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الصُّولي: وكان المكتفي تعرَّض لنا بشيء من ذلك، فحدَّثته يومًا حديث السَّفَّاح؛ وأنَّه استشار سعيدَ بن عمرو بن جَعْدة بن هُبَيرة أن يصيِّرَ العهدَ بعده إلى عمِّه عبد الله بن علي دونَ أخيه أبي جعفر، فقال له: يا أمير المؤمنين، كنتُ مع مَسْلَمة بن عبد الملك بالقسطنطينية، وجاءه خبر أخيه سليمان وولايةِ عمر بن عبد العزيز، فجَزعَ جزعًا شديدًا، فقلت: لا تجزعْ لموت أخيك، بل لخروج الخلافة عن ولدِ أبيك إلى ولد جدِّك، فأمسك أبو العبَّاس، وعهد إلى أخيه دون عمِّه، وذكرتُ له أنَّ داود بن علي عمَّ السفاح قال له: يا أمير المؤمنين، اعهدْ إلى رجل من بنيك ليَضبطَ هذا الأمر بعدك لئلا ينتشر؛ فإنَّ أمرنا قريب، فقال له أبو سلمة الخلال: ما لك ولهذا؟ هذا أمرٌ يَرى فيه أميرُ المؤمنين رأيَه، وما استعجالك كأنك طَمِعت فيها، والله ما لأحدٍ من أعمام أمير المؤمنين فيها حظٌّ ما دام من ولد أبيه محمد بن عليٍّ رجل حيّ، فاضْطَغَنها داودُ على أبي سلمة، ولم يزل يحتالُ في قتله حتَّى قُتل، فوافقت هذه الأخبارُ ما كان في نفس المكتفي، وخاف أن يخرج الأمرُ من ولد أبيه؛ فعهد إلى المقتدر كما ذكرنا (١).

وقال ثابت بن سنان: لَمَّا ثَقُل المكتفي في علَّته، فكَّر العبَّاس وزيرُه فيمن يقلِّده الخلافةَ، فاستشار أرباب الدَّواوين؛ وهم: محمد بن داود بن الجرَّاح، وعلي بن محمد بن الفرات، وعلي بن عيسى بن داود بن الجرَّاح، ومحمد بن عبدون، فكان في كلِّ يوم يستشير واحدًا منهم، فأشار عليه محمد بن داود بعبدِ الله بن المعتز، وأمَّا ابن الفرات فقال: هذا شيءٌ ما جرت لي عادة بالدُّخول فيه، وإنَّما يشاوَر مثلي في أمر العمَّال، فغضب الوزير وقال: ليس هذا حقِّي منك (٢)؟ وألح عليه، قال: إن كان رأيُك تَقَرَّر على إنسان فأمضِه، قال ابن الفرات: فعلم أنِّي قد عَنيتُ ابن المعتز لاشتهار الخبر به، فقال: ما أريد إلَّا أن تَمحَضني النَّصيحة، قال: فقلت له: إذا كان الأمر على هذا فاتَّق الله، ولا تنصِّب في هذا الأمر مَنْ قد عرف دار هذا، وبستان هذا، وضَيعة هذا، وجارية هذا، ونعمةَ هذا، ومن قد لقي النّاس ولقوه، وعرف الأمور، وتحنَّك، وجرَّب، وتدرَّب.


(١) الأوراق للصولي ٢١ - ٢٢ (ما لم ينشر من الأوراق).
(٢) كذا، وفي الكامل ٨/ ٩: ليس يخفى عليك الصحيح.