للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فاستعاد العبَّاس ذلك مني مرارًا، ثمَّ قال لي: فبمن تُشير؟ فقلت: بجعفر بن المعتضد، ومَن تحكم عليه أولى بمن يحكم عليك، قال: فما أصنع بأمِّه وخالته وقَهارِمَتِه (١)؟ قلت: تُقيمهنَّ مقام حرمك؛ فإنَّهنَّ يرضينَ إذا أخرجتهنَّ من الضِّيق إلى السَّعَة، ويشكُرْنك على ذلك.

ثمَّ شاور في اليوم الثالث عليَّ بن عيسى، واجتهد به أن يسمِّي له أحدًا، فامتنع وقال: ينبغي أن تتقي الله أيُّها الوزير وتنظرَ للدِّين، فمالت نفسُ العبَّاس إلى رأي ابن الفرات، ووافق رأيَه ما كان المكتفي يُسارُّ إليه من تقليد أخيه.

وطلب المقتدر من دار ابن طاهر، فمضى صافي الحُرَميُّ فأحْدَره في حَرَّاقة، فاجتاز بدارِ الوزير، فصاحوا بالملَّاح: قدّمْ إلينا، فظنَّ صافي أنَّه قد بدا للوزير رأيٌ، فقال للملَّاح: إن قدمت قتلتك.

ومضَوْا إلى القصر الحَسَني وبايعوه، وتمَّ أمرُه، فقلَّد حَجبتَه سَوْسَن مولى المكتفي، وأقرَّ على الشرطة محمدَ بن أحمد بن عَمْرويه الخُراساني، وأقرَّ القضاةَ بالحضرة، وأقرَّ أصحابَ الدَّواوين على ما هم عليه.

قال الصُّولي: وقد اتَّفق للمقتدر ما لم يتَّفق لغيره من الخلفاء؛ ولده ستة؛ منهم: المعتضدُ، والمتوكِّل، والمعتصم، والرَّشيد، والمهديُّ، والمنصور، وأخوه خليفة وهو المكتفي، وقد فخر المأمونُ بثلاثة من الخلفاء الرشيدِ والمهديِّ والمنصورِ؛ لأنَّه لما هجاه دِعْبِل وقال: [من الكامل]

شادُوا بذِكرِكَ بعد طولِ خُمولهِ … واستنقذوكَ من الحَضيضِ الأَوْهَدِ

قال: قاتَلَه الله، ومتى كنتُ خاملًا وقد ولدني ثلاثةٌ من الخلفاء (٢)

واستوزر المقتدر العبَّاس بن الحسن، وولَّى ابنَه على ديوان والدته وإخوته، وخلع على الجميع، وفرَّق أموالًا جليلة، ووَصَل النَّاسَ، ولم يكن مؤنس الخادم حاضرًا وقت البيعة؛ لأنَّ المعتضد كان قد أخرجه إلى مكَّة مُكْرَهًا، وكان في عَزْمه أن يُلحِقه


(١) القهرمان: هو المسيطر الحفيظ على من تحت يديه. اللسان: (قهرم).
(٢) ما لم ينشر من أوراق الصولي ص ٢٩، والبيت في ديوان دعبل ص ٧٠.