للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع بياض اللَّبن، قالت زيتونة: فقلتُ في نفسي: سبحانك ما أقذر أولياءك! ما فيهم أحد نظيف، وخرجت من عنده، فتعلَّقت بي امرأةٌ وقالت: سرقت لي رِزْمةَ ثياب، وجرَّتْني إلى الوالي، وبلغ النُّوريَّ، فجاء إلى الوالي فقال: لا تتعرَّض لها؛ فإنَّها وليَّة لله تعالى، فقال: وكيف أصنع بالمرأة؟ وإذا بجارية قد جاءت ومعها الرِّزْمة، فأطلق الوالي زيتونة، فرجع النُّوريُّ إلى مسجده، والتفتَ إلى زيتونة وقال لها: لا تعودي تقولي: ما أقذر أولياءك، فقالت: قد تبتُ إلى الله تعالى يا سيِّدي].

وحكى في "المناقب" أنَّه خرج ليلةً إلى دِجلة ليَعْبُرَ، فالتقتْ له حافَّتاها، فقال: وعزَّتك ما أعبرها إلَّا زورقًا (١).

وقيل: إنَّه قال: كرامةٌ بفَلْس؟ ما أريدها، يعني أجرةَ الملَّاح.

وسعى ساعٍ بالصُّوفية إلى الخليفة أنَّهم يعتقدون الحلولَ، فأمَّا الجنيد فانتسب إلى الفقه، وأمَّا النّوري والرَّقَّام والشَّحَّام وغيرهم فإنَّه أمر بضرب أعناقهم، وجيء بالسيف والنِّطع، فتقدَّم النُّوري، فقال له السيَّاف: هل تدري إلى ما تُبادر؟ قال: نعم إلى القتل، قال: فما حَملك على هذا؟ فقال: أوثر أصحابي بحياة ساعة. فتحيَّر السيَّاف، ورفع أمرَهم إلى الخليفة، فردَّهم إلى القاضي، فلمَّا حضروا عند القاضي ألقى على النُّوري مسائلَ فقهية، فأجاب عنها، ثمَّ قال: وبعد هذا؛ فإنَّ لله عبادًا إذا قاموا قاموا بالله، وإذا قعدوا قعدوا بالله، وإنْ نطقوا نطقوا بالله، وذكر ألفاظًا، فبكى القاضي، وكتب إلى الخليفة: إن كان هؤلاء زنادقةً فما على وجه الأرض مسلم، فأطلقهم (٢).

[وحكى في "المناقب" عن] أحمد بن إبراهيم المُقري قال: كان النُّوريُّ لا يسأل عمَّا لا يعنيه، ولا يفتِّش عمَّا لا يَحتاج إليه، غير أنه إذا رأى منكرًا غيَّره ولو كان فيه تلفُه؛ نزل يومًا [إلى] دِجلة ليتوضأَ للصَّلاة، فرأى زَورقًا فيه ثلاثون دَنًّا مكتوب عليها بالقار: لطف، [فأنكر ذلك، لأنَّه ما كان يعرف شيئًا يعبَّر عنه بـ"لطف"] فقال للملَّاح: إيش هذه؟ فقال: أنت صوفيٌّ فضولي، هذا خمرٌ للمعتضد يريد أن يُتِمَّ به مجلسَه، فقال: أعطني المِدْرَى، فقال لغلامهْ أعطه حتَّى ننظر إيش يعمل. فأعطاه، فمال على


(١) مناقب الأبرار ١/ ٣٥٢.
(٢) ذكر هذا الخبر أبو نعيم في الحلية ١٠/ ٢٥٠ - ٢٥١، وابن خميس في مناقب الأبرار ١/ ٣٥٣ - ٣٥٤، والقشيري في رسالته ص ٣٨٩.