للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدِّنان فكسرها إلَّا دنُّا واحدًا والملَّاحُ يستغيث، فركب مؤنس بن أفلح صاحب الجِسر، فقبض على النُّوريِّ وأشخصه إلى حضرة المعتضد، وكان المعتضدُ سيفُه يسبق كلامَه، ولم يشكّ النَّاس أنَّه سيقتله.

قال النُّوري: فاُدخلتُ وهو جالسٌ على كرسيٍّ من حديد، وبيده عمودٌ يقلِّبه، فقال: مَنْ أنت؟ قلت: مُحتسِب، قال: مَنْ ولَّاك الحِسْبة؟ قلت: الذي ولَّاك الخلافةَ، فأطرق ساعة ورفع رأسه وقال: ما الذي حملك على هذا؟ قلت: شفقةً عليك، وصرفًا للمكروه عنك، قال: فكيف سلم هذا الدَّنُّ الواحد من بين الدِّنان]؟ قلت: لَمَّا أقدمتُ على الدِّنان كان بمطالبة الحقِّ لي بذلك ولما غَمر قلبي من مشاهدة الإجلال فغابت هيبةُ الخلق عنِّي، فلما صرتُ إلى هذا الدَّنِّ تداخلني عُجْب في نفسي، وقالت: كيف أقدم مثلك على دِنان الخليفة، وتداخَلَها الكِبر، فامتنعتُ من كسره، ولو أقدمتُ بالخاطر الأوَّل حتَّى يكون ملء الدُّنيا دِنانًا لكسرتها ولم أبال، فقال المعتضد: اذهب فقد أطلقنا يدكَ فغيِّر ما رأيت من المنكر، فقلت: الآن نقص اليقين، قال: ولمَ؟ قلت: لأنِّي كنتُ أُنكر لله تعالى والآن صاحب شرطة، فقال: حاجتُك؟ فقلت: تعجِّل سراحي، فأذن لي.

قال أحمد: فانحدر النُّوريُّ إلى البصرة، فأقام بها حتَّى مات المعتضد خوفًا أن يُسأل الشفاعة في حاجة، ثمَّ عاد إلى بغداد (١).

وكان النُّوري يسمَّى في بغداد طاووس العُبَّاد وكذا الجنيد.

ذكر نبذة من كلامه:

حكى في "المناقب" عنه قال: أعزُّ الأشياء (٢) في زماننا عالم يعملُ بعلمه، وعارفٌ ينطِقُ عن حقيقة.

وقال: كانت المُرَقَّعات صَدَفًا على الدُّرِّ، فصارت مَزابلَ على جِيَف.

وقال: الجمعُ بالحقِّ تفرقةٌ عن غيره، والتفرقة من غيره جمع به.

وسئل: ما الفرقُ بين الحبيب والخليل؟ فقال: ليس مَن طُولب بالتَّسليم كمن نودي بالتَّسليم (٣).


(١) مناقب الأبرار ١/ ٣٥٥ - ٣٥٦.
(٢) في (خ): ومن كلامه أعز الأشياء، والمثبت من (ف م ١).
(٣) مناقب الأبرار ١/ ٣٤٩ - ٣٥٠.