ودجلة، فعبر إلى المخرِّم إلى ابن حمدان، وحضر القوَّاد والجندُ والقضاةُ ووجوهُ الناس سوى خواصِّ المقتدر وأبي الحسين بن الفرات، فبايعوه بالخلافة، ولقَّبوه بالمنتصف بالله، وقيل: بالغالب بالله، وقيل: بالمرتضي، وقيل: بالراضي بالله.
واستوزر محمدَ بن داود بن الجرَّاح، وقلَّد محمد بن عبدون دواوين الأزمَّة، وعليَّ بن عيسى دواوينَ الأصول، وجعل يُمْن الخادم حاجبَه، فغضب سوسن الخادم وعاد إلى المقتدر.
ونفذت الكتبُ عن عبد الله بن المعتز بالرسائل إلى سائر البلاد يخبرهم بتقليده الخلافةَ، وكان تمامُ أمره ليلة يوم الأحد لتسعٍ بقين من ربيع الأول.
وقال الصُّولي: كان العبَّاس الوزير قد دبَّر خلع المقتدر وقتله مع الحسين بن حمدان ومبايعةَ ابنِ المعتز، ووافقهم وصيف التركيُّ، وبلغ المقتدرَ فأصلح حال العبَّاس ورفع إليه مالًا، فرضي ورجع عن ذلك، وعلم الحسينُ بن حمدان فقتله على ما ذكرناه.
وبلغ الخبرُ إلى الفقيه أبي جعفر الطَّبريِّ فقال: ومن ترشَّح للوزارة؟ قالوا: محمد بنُ داود بن الجرَّاح، قال: ومن ذُكر للقضاء؟ قالوا: أبو المثنَّى أحمد بن يعقوب، ففكَّر طويلًا وقال: هذا أمر لا يتمّ، قيل: ولمَ؟ قال: لأنَّ كلَّ واحد من هؤلاء الذين ذكرتم مقدَّم في نفسه، عالي الهِمَّة، رفيعُ المرتبة في أبناء جنسه، والزمان مُدْبِر، والدّولةُ مُوَلِّية، فكان كما قال.
ثمَّ إنَّ ابنَ المعتزِّ بعث إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار محمد بن طاهر؛ لينتقلَ هو إلى دار الخلافة، فأجاب بالسمع والطاعة، ولم يكن بقي معه من رؤساء القوَّاد غير مؤنس الخادم، ومؤنس الخازن، وغريب الخال، وجماعة من الخدم والحاشية.
وباكر الحسينُ بن أحمد بن حمدان إلى دار الخلافة فقاتلها، فأجمع الغلمان والخَدَم فدفعوه عنها، فحمل ما قدر عليه من المال والحريم، وسار إلى الموصل، فقال الذين بقَوْا عند المقتدر: يا قوم، نسلِّم هذا الأمر هكذا! لِمَ لا نجرِّب نفوسَنا في دفع ما قد أظلَّنا، فلعلَّ اللهَ أن يكشفه عنَّا؟ فنزلوا في الشَّذا، وألبسوا جماعةً منهم السِّلاح، وقصدوا دار المُخَرِّم وفيها عبد الله بن المعتز، فلمَّا رآهم مَن كان فيها أوقع اللهُ في قلوبهم الرُّعْبَ، فانصرفوا قبل أن يجري بينهم حرب، وولَّوا منهزمين.