وخرج عبد الله بن المعتزِّ من الدَّار، وقدِّمت له دابَّة فركبها، ومعه محمد بن داود وزيرُه، ويُمْن حاجبه، وقد شهر سيفه وهو ينادي: معاشر العامَّة، ادعوا لخليفتكم، وأشار إلى الجيش أن يتبعَهم إلى سامراء ليثبت أمرهم بها، فلم يتبعهم أحد من الجيش، فنزل ابن المعتزِّ من دابَّته، ودخل دارَ ابن الجصَّاص، واستتر ابنُ الجرَّاح والقاضي أبو المثنَّى، ونُهِبتْ دورُهما، ومرَّ النَّاس على وجوههم، ووقعت الفتنةُ والنَّهب والقتلُ ببغداد.
واستتر أبو الحسن عليُّ بن عيسى، ومحمد بن عبدون في دار رجل يبيع البَقْل، وبدَرهما العامَّة فكبسوا الدَّارَ وأخرجوهما على بَغْل بإكاف إلى دار المقتدر، [وقُبض](١) على وصيف بن صوارتكين -وقيل: إنَّه هو الذي قتل فاتكًا- وقُبض على يُمْن الخادم، والقاضي أبي عمر محمد بن يوسف، والقاضي أبي المثنَّى أحمد بن يعقوب، والقاضي محمد بن خلف، والقوَّاد والفقهاء الذين خلعوه، وسُلِّموا إلى مؤنس الخازن، فقتلهم جميعًا إلَّا ما كان من عليِّ بن عيسى، ومحمد بن عبدون، والقاضي محمد بن يوسف، والقاضي محمد بن خلف، فإنَّهم سَلِموا من القتل، وكان قتْلُ الباقين يوم الاثنين لثلاث عشرةَ ليلةً خلت من ربيع الآخر.
وأقام ابنُ المعتز يومًا وليلةً، ثمَّ استتر في دار ابن الجصَّاص، وثبت أمر المقتدر يوم الاثنين لثمانٍ بقين من ربيع الأوَّل.
وفيها استوزر المقتدرُ أبا الحسن عليَّ بن محمد بن الفرات، وخلع عليه خِلع الوزارة، ومشى الناسُ بأجمعهم بين يديه إلى داره بسوق العَطَش، وخلع المقتدر على مؤنس الخادم وغريب الخال ويانس وصافي الحُرَميّ وغيرهم، وطُوِّقوا وسُوِّروا، وجاء خادم يُعرف بسوسن من خُدَّام أبي عبد الله بن الجصَّاص إلى صافي الحُرَمي، فأخبره بأنَّ ابن المعتزِّ في داره، فبعث المقتدر صافيًا في جماعة، فكبس دارَ ابن الجصَّاص، وأخذ ابنَ المعتز وابنَ الجصَّاص إلى دار الخليفة، فصُودر ابن الجصَّاص على مال وأُطلق، وحُبس ابن المعتز، ثمَّ أخرج ميتًا بعد ذلك، وسنذكره إن شاء الله تعالى.