وبعث إلى محمد بن داود فقال له: الأمر كذا وكذا، فانتقل من المكان الذي أنت فيه، واستدعى صاحب الشرطة وقال: اجمع خمس مئة رجل، واذهب مع المنتصح إلى دار فلان ففيها ابنُ الجراح فأحضِرْه، فمضى صاحب الشرطة إلى الدَّار فلم يجد فيها أحدًا، وعاد بالمنتصح فضُرب بباب العامَّة مئتي سَوْط، وشهَّره على جمل، ونودي عليه: هذا جزاءُ مَن يسعى بين النَّاس بالباطل، ثمَّ نفاه إلى البصرة.
وقال أبو عمر محمد بن يوسف القاضي: لَمَّا جرى في أمر عبد الله بن المعتز ما جرى حُبِسْتُ ولم يكن في لحيتي طاقة بيضاء، وحُبِس معي القاضي أبو المثنَّى أحمد بن يعقوب، ومحمد بن داود بن الجرَّاح، وكنَّا في دار واحدة في ثلاثة أبيات متلاصقة، وكان بيتي في الوسط، وقد يئسنا من الحياة، فكان إذا جنَّنا الليلُ تحدَّثنا من وراء الأبواب، ويوصي كلُّ واحدٍ منَّا صاحبَه، فلمَّا كان في بعض اللَّيالي فُتحت الأقفال، ودخل ناس بالشموع، ففتحوا الباب الذي فيه محمد بن داود [بن] الجرَّاح، وأخرجوه من البيت، وأضجعوه للذَّبح، فقال: يا قوم، ذَبْحًا كالشاة؟ أين المصادرات؟ أين أنتم من الأموال؟ أنا أفدي نفسي بكذا وكذا، فما التفتوا إلى قوله، وذبحوه وأخذوا رأسَه، وألقَوْا جثَّته في بئر وأنا أراه من شقِّ الباب، ومضَوْا وعادوا بعد ساعة، وأخرجوا أبا المثنَّى القاضي، وقالوا له: يقول لك أمير المؤمنين: يا عدوَّ الله، بمَ استحللتَ نكثَ بيعتي؟ فقال: لعِلْمي أنَّه لا يَصلُح للإمامة، فقالوا: قد أمرنا أمير المؤمنين أن نَسْتَتيبَك من هذا الكفر، فإن تبتَ وإلا قتلناك، فقال: أعوذ بالله من الكفر، فذبحوه، وأخذوا رأسه، وألقَوْا جثَّته في البئر، ولم يبقَ غيري، ومضَوْا وأنا أدعو وأبتهل، ثمَّ عادوا، فأخرجوني إلى صحن الدَّار وقالوا: أمير المؤمنين يقول لك: يا فاعل، ما الذي حملك على خَلْعِ بيعتي؟ قلت: الشَّقاوةُ، وقد أخطأتُ، وأنا تائبٌ إلى الله تعالى.
فحملوني إلى دار الخلافة، وابنُ الفرات الوزيرُ جالس، فأخذ يوبِّخُني وأنا أتنصَّل وأعتذر، فقال: قد وهب لك أمير المؤمنين دمَك، واشتريتُ حرمَكَ وأهلك منه بمئة ألف دينار، فقلت: والله ما رأيتُ بعضَها مجتمعًا قطُّ، فغمزني الوزير اسكت، وإنَما أراد أن يخلِّصني، فأدَّيتُ البعضَ، وسومحت بالبعض، وأخذتُ المرآة فنظرتُ فيها؛