للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا قد شابت لحيتي ورأسي في ليلة (١).

وقال القاضي أبو عمر صاحب هذه الواقعة: ظهر في يد رجلٍ مالٌ جليلٌ بعد فقر طويل، فسُئل عن سببه فقال: كان لي مالٌ فأنفقتُه حتَّى لم يبقَ لي شيء، فرأيت في منامي قائلًا يقول: غِناكَ بمصر فاخرجْ إليها.

قال القاضي: فقال لي الرجل: اكتب لي كتابًا إلى مصر لعلِّي أنصرف، فكتبتُ له كتابًا، وخرج به فأوصله إلى صاحبه، قال الرجل: فلم يُقدِّر الله شيئًا، ونفدت نفقتي، وهممتُ أن أسأل الناسَ في الليل، فخرجتُ وإذا بالطَّوف (٢) رجلٌ قد مرَّ بي، فأنكرني وقال: من أنت؟ قلت: رجل غريب، فلم يصدِّقْني، وأخذ يَضربُني بالمَقارع، فقلت: أنا أصدقُك، أنا رجلٌ من أهل بغداد، ورأيت في المنام كذا وكذا، وحدَّثته الحديثَ، فقال الذي على الطَّوف: ما رأيتُ أحمقَ منك، والله لقد رأيتُ في المنام قائلًا يقول: غِناك في بغداد، في الشارع الفلانيِّ في دارٍ يقال لها: دار فلان، فيها سِدْرةٌ تحتها ثلاثون ألف دينار في قُمْقُمٍ من نحاس، وأنا لا ألتفتُ.

قال الرجل: فذكر شارِعي وداري، وأطلقني وقال: أنت أحمق؛ تمشي من بغداد إلى مصر بسبب منام؟! قال: فخرجتُ من مصر أمشي إلى بغداد، فدخلتُ داري، وحفرتُ تحت السِّدرة فخرج القُمْقُمْ وفيه المال، فأغناني الله تعالى، واشتريت الضِّياع وغيرَها.

أسند محمد بن داود عن عمر بن شبَّة النُّميري وغيره، وروى عنه القاضي عمر بن الحسن وغيرُه، وكانت وفاتُه في ربيع الآخر (٣).

* * *


(١) الفرج بعد الشدة ٢/ ١٣١.
(٢) الطَّوف: هي التي يعبر عليها في الأنهار الكبار، تسوَّى من القصب والعيدان. اللسان: (طوف).
(٣) تاريخ بغداد ٣/ ١٥٦ - ١٥٨، والمنتظم ١٣/ ٩١، وتاريخ الإسلام ٦/ ١٠٢٣.