للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ وقفتُ وَقْفةً، فلم أقدر أن أنقل قَدَمًا إلى قُدَّام، ولم أعلم ما العِلَّة! فرجعتُ إلى بيتي، فطرقتُ الباب ففُتح، وإذا بأمّي قاعدة خلف الباب وعليها سوادٌ، فقلت: ما هذا؟ فقالت: منذ خرجتَ وإلى الآن أنا قاعدةٌ هاهنا، وعاهدتُ الله أن لا أزول من هاهنا حتَّى تعود، فقلت: تلك الوقفة كانت لهذا.

[وحكى في "المناقب" عن] الجريري قال: دعانا (١) أبو العبَّاس بن مَسْروق إلى بيته، فاستَقْبَلَنا صديقٌ لنا، فقلنا له: ارجع معنا فنحن في ضيافة أبي العبَّاس، فقال: إنَّه لم يَدْعُني، فقلنا: نحن نستثنيك كما فعل رسولُ الله بعائشة (٢)، فجاء معنا، فدخلنا على أبي العبَّاس فأخبرناه خبرَ الرجل، فخرج أبو العبَّاس إليه وقال له: جعلتَ موضعي من قلبك أن جئتَ إلى منزلي من غير استدعاء، عليَّ كذا وكذا إن مشيتُ إلى الموضع الذي تقعد فيه إلَّا على خدِّي، ووضع خدَّه على الأرض، ووضع رِجْل [الرَّجُل] على وجهه، وجعل يَسْحَب وَجْهَه على الأرض إلى أن بلغ إلى موضع جلوسه (٣).

[وروى الخطيب بإسناده إلى] جعفر الخُلْدي قال: حدَّثني (٤) ابن مسروق قال: دخلتُ إلى الريّ، فقصدتُ أبا موسى الدُّولابي -وكان في ذلك الوقت أشرف مَن يُذْكر- فدخلتُ إليه وسلَّمت عليه، وأقمتُ في منزله ثلاثةَ أيَّام، فلمَّا أردتُ الخروجَ أتيتُه لأودِّعه، فقال: يا غلام، الضيافةُ ثلاثة أيام، وما كان فوق ذلك فهو صدقةٌ منك عليَّ.

وقال: دخلتُ على شيخ من أصحابنا، فوجدتُه على حالٍ رثَّة، فقلتُ في نفسي: من أين يرتزق هذا الشيخ؟ فصاح بي: دَعْ عنك هذا الخاطر، فإنَّ لله ألطافًا خفيَّة (٥).

وحكى الخطيب عن الخُلدي قال: سمعتُ أبا العباس بن مَسْروق يقول: قدم (٦) علينا شيخٌ، وكان يتكلَّم بكلامٍ حَسَن، وكان عَذْبَ اللسان، جيِّدَ الخاطر، فقال لنا في


(١) في (خ): وقال الجريري دعانا، والمثبت من (ف م ١).
(٢) انظر حديثها في صحيح مسلم (٢٠٣٧).
(٣) مناقب الأبرار ١/ ٤٣٨.
(٤) في (خ): وقال جعفر الخلدي حدثني، والمثبت من (ف م ١)، وانظر تاريخ بغداد ٦/ ٢٨٠.
(٥) الرسالة القشيرية ص ٣٧٢.
(٦) في (خ): ألطافًا خفية، وقال: قدم. والمثبت من (ف م ١)، وانظر تاريخ بغداد ٦/ ٢٨٢.