للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموجُ إلى فيه وأنا في الساجة، فدخلتُ في فيه، وجلست على نابٍ من أنيابه، وصلَّيتُ ركعتين، فزال عني ما كنت أجدُه من الوحشة (١).

وقال سمنون: أوَّل وصالِ العبدِ للحقِّ هوانُه لنفسه (٢)، وأوَّلُ هجرانِ العبد للحق مواصلتُه لنفسه.

وقال: لا يُعبَّر عن شيءٍ إلَّا بما هو أرقّ منه، ولا شيءأرقُّ من المحبة، فبماذا يُعبَّرُ عنها؟

وقال: الفقيرُ الصادقُ هو الذي يأنسُ بالعدم كما يأنسُ الجاهلُ بالغِنى، ويستوحشُ من الغنى كما يستوحشُ الجاهل من الفقر (٣).

وسئل عن قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ الآية [آل عمران: ٥٤]، فهل يجوز أن يُنسَبَ المكرُ إلى الله تعالى، فأنشد: [من الوافر]

ويقبحُ من سواكَ الفعلُ عندي … فتفعلُه فيحسنُ منك ذاكَا

فقال له السائل: أسألُك عن تفسيرِ آيةٍ من كتاب الله، تجيبُني ببيتٍ من الشعر، فقال له: يا جافي، إنَّ الله آلى على نفسِه أنْ لا يودِع حكمتَه عند أعجميِّ القلب! [لم] أجبك بشعر عَجْزًا عن البيان، وإنما أردتُ أنْ أخبرك أنَّ في أقلِّ الأشياء أدلَّ الدلائل عليه، اسمع، تخليتهم مع المكرِ مكرٌ منه بهم، إذ لو شاءَ منع (٤).

وقال: ذهبَ المحبُّون لله تعالى بشرفِ الدنيا والآخرة؛ أليس النبيُّ ﷺ يقول: "المرءُ مع من أحبّ" (٥)، فهم مع الله تعالى (٦).

[قال:] وقال إبراهيم بن فاتك: رأيتُ سَمنون يتكلَّم على الناس في المسجد (٧)، فجاء طائرٌ صغير، فلم يزل يدنو منه حتَّى جلس على يده، ثُمَّ لم يزل يضرب بمنقاره الأرضَ حتَّى سال منه الدم، ومات الطائر.


(١) مناقب الأبرار ١/ ٣٩٠.
(٢) في حلية الأولياء ١٠/ ٣١١: هجرانه لنفسه.
(٣) طبقات الصوفية ص ١٩٦، ١٩٨.
(٤) مناقب الأبرار ١/ ٣٨٦ - ٣٨٧، وما بين حاصرتين منه.
(٥) أخرجه البخاري (٦١٧٠)، ومسلم (٢٦٤١) من حديث أبي موسى الأشعري ﵁.
(٦) من قوله: وقال سمنون: أول وصال العبد .... إلى هنا، ليس في (ف) و (م ١).
(٧) بعدها في (خ): الحرام. والمثبت موافق لما في مناقب الأبرار ١/ ٣٨٩.