للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانظر فهل حالٌ بي انتقلَتْ … عمَّا تحبُّ لحالةٍ أُخرى

فعوقبَ على ذلك بقطر البول (١)، فرأى في منامه كأنَّه يشكو حاله إلى بعض الصّالحين، فقال له: عليك بدعاء الكتاتيب، فكان يطوفُ على الكتاتيب وبيدِه قارورةٌ يَقطرُ فيها بولُه، ويقول للصبيان: ادعوا لعمِّكُم الكذاب المُبْتَلى بلسانه (٢).

[وحكى أبو نعيم عن أبي بكر الواسطي قال:] (٣) قال سَمنون: يا رب قد رضيتُ بكلِّ ما تقضيه عليَّ، فاحتبس بولُه أربعة عشر (٤) يومًا، فكان يتلوَّى كما تتلوَّى الحيَّةُ على الرمل يمينًا وشمالًا، فلمَّا أُطلقَ بولُه قال: يا ربّ، تُبتُ إليك.

وهذا إنَّما هو استعمالُ الرِّضا والتسليم لله تعالى، وتلقِّي ما يَرِدُ من قضائه وقَدره على وفق ما وقع، لا أنَّه يقاوي.

وقال النُّوري: سألتُ سَمنونًا عن المحبة، فقال: عن أبيِّ شيءٍ تسأل؛ عن محبة الله إيَّاك، أو عن محبتك الله؟ فقلت: بل عن محبة الله لي، فقال: لا تطيقُ الملائكة سماع ذلك، فكيف أنت؟! لقد تكلَّمت أمس مع الخضر والملائكةُ يسمعون قولي، ويستحسنون قولي وكلامي، والحقُّ حاضر، فلم يعب عليَّ، ولو عاب عليَّ لأخرسني (٥).

قال المصنف : أمَّا قوله عن الخضر، فقد قدَّمنا الكلام في حياته، وأمَّا سماعُ الملائكة قولَه، فلقوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: ١٨] وأما استحسانُهم كلامَه، فإنَّ الكلام الحسن تستحسنه الملائكة وغيرها في الغالب، وأمَّا قوله: والحقُّ حاضر، فلقوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿هُوَ مَعَهُمْ أَينَ مَا كَانُوا﴾ (٦) [المجادلة: ٧]، أي بالعلم، ومعنى قوله: لو عاب علي لأخْرَسَني: إنَّني أقمتُ الأدلَّة من كتاب الله وسنَّة نبيّه ، ومن أصول الشريعة وكلام القوم، وتقديره: فكيف يخرسني وأنا أقول الحق (٧)؟!


(١) من قوله: وقال علي بن محمد .... إلى هنا ليس في (ف) و (م ١)، وفيهما: وروي أنه رأى في منامه كأنه ....
(٢) بعدها في (ف) و (م ١): لقوله: وليس لي في سواك حظ.
(٣) ما بين حاصرتين من (ف) و (م ١). وفي (خ): وقال أبو بكر الواسطي.
(٤) في (خ): أربعة وعشرين. والمثبت من (ف) و (م ١) وحلية الأولياء ١٠/ ٣١٠.
(٥) مناقب الأبرار ١/ ٣٨٩.
(٦) في (خ): ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤]. والمثبت هو الصواب.
(٧) من قوله: وهذا إنما هو استعمال الرضا … إلى هنا ليس في (ف) و (م ١).