للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإضاعة والتفريط مِمَّن تقدَّمني، وأمرني أن أعاملَ كل أحدٍ بحسب ما يقتضيه أثرُه، ويستدعيه مذهبُه، بما أنا ممتثلُه، ومستفرغٌ بإذن الله ومشيئته الوسعَ فيه، فأطال الله بقاءَ أمير المؤمنين، ممتنعًا بالعز والتأييد، ممتدًّا في سوابغِ النعم وجلائل المواهب بصالح المزيد. وذكر كلامًا طويلًا.

وساس الدنيا سياسةً حسنةً، ورسم للعمال بالأعمالِ الجليلة، وأنصف الرعية (١)، وراقبَ الله، وأزال السُّنَنَ الجائرة، [ولازم الصلواتِ في الجماعات وفي الجامع؛ تارةً بجامع المنصور، وتارةً بجامع الرُّصَافة وغيرها]، وأبطلَ المُكوس بمكَة وفارس والأهواز، وجبايةَ الخمور في البلاد كلِّها (٢).

قال ثابت: فحدثني بعد عزله ولزومه منزلَه في خلافةِ الراضي بالله قال: قال لي ابنُ الفرات بعدَ صرفي من الوزارة وتوليته إيَّاها في دار السلطان: أبطلتَ الرسومَ، وهدمتَ الارتفاع، فقلت: أيَّ رسمٍ أبطلت؟ قال: المكس بمكَّة، قلت: هذا وحدَه أبطلت، قد أبطلتُ أشياء كثيرة، وعددتها، ومبلغُ ذلك خمس مئة ألف دينار في السنة، ولم أستكثر هذا القدرَ في جنب ما حططتُه عن أمير المؤمنين من الأوزار، وغسلتُ عنه من الدَّرن والعار، ولكن انظر مع ما حططتُ وأبطلتُ إلى ارتفاعي وارتفاعك، ونفقاتي ونفقاتك، قلت: فبأيِّ شيءٍ أجاب؛ قال: خروج الخادم، وفرَّقَ بينَنا قبل أن يجيب.

وفي صفر سأل علي بن عيسى المقتدرَ أنْ يقلِّد القضاءَ أبا عمر محمد بن يوسف، وعَرَّفه بفضله وموضعه، فقلَّده القضاء في جانبي مدينة السلام، سوى مدينة المنصور، فإنها كانت إلى أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول، ولَمَّا وليَ القضاء أبو عمر لم يمضِ سجلات محمد بن علي بن أبي الشوارب، وكان ابنُ أبي الشوارب قد صرف بأبي عمر.

قال ثابت: ولما صُرِفَ الخاقانيُّ، أكثرَ الناسُ التزويرات عليه، وأُحضرت الكتبُ إلى عليِّ بن عيسى، فأنكرها وجمعَها وقال لرسوله: اذهب إلى أبي علي الخاقانيّ، وقل له ينظر في هذه التوقيعات، ويعرِّفني الصحيحَ منها الذي أمر به، والباطل الذي


(١) من قوله: كتابا نسخته .... إلى هنا، ليس في (ت) و (م ١).
(٢) من هنا .... إلى خبر وصول هدايا عمان ليس في (ت) و (م ١).