للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أولاده، وأدوا الرسالة، فكتبوا جوابًا طويلًا من جنسِ كتاب الوزير، فمنه:

للوزير أبي الحسن علي بن عيسى من أخوته، سلامٌ على الوزير، فإنَّا نحمدُ الله إليه

الذي لا إله إلا هو، ونسألُه أن يصلِّيَ على سيدنا محمد عبده ورسوله ، أما بعد:

أطال الله بقاءك، فقد وصلت رسلُ السلطان -أعزَّه الله- بكتابه، وما حمَّلهُم من رسالته إلى رجلٍ قد مضى لسبيله إلى رحمة الله تعالى، فذكروا أنَّ الوزير أعزه الله تعالى أمرهم بالمصير إلينا، وإيصالِ الكتاب وأداء الرسالة، فسمعناها وقرأنا الكتاب، وقد أجبنا الوزير بما يقف عليه، ومع هذا، فنحنُ قوم لا نرى مكاتبةَ السلطان؛ لقلَّة معرفتنا بمكاتبته أعزَّه الله، لأنَّا لا نكاتبُ أحدًا من السلاطين، وقد كاتبنا الوزير وأحسنَّا الظنَّ والثقةَ به، وأملنا فيه -أيّده الله تعالى- أن يُلزِمَ نفسَه القيامَ بأمورنا، والعنايةَ بأسبابنا، إذ كانت الأخبار متواترةً بحسن نظرِه في الرعيَّة، وإصلاح أحوالها، وبسطِ العدل منها.

فأمَّا ما ذكرهُ السلطان -أدام الله عزه، وزاد شرفه ارتفاعًا وعلوًا وامتناعًا- من انفرادنا عن الجماعة، وعدولنا عن الجماعة والطاعة، وإيثارنا وحشَةَ الفرقة وظلمتَها، فنحن -أيَّد الله الوزيرَ- لم ننفرد عن الجماعة، ولم نعدل عن الطاعة، بل أُفرِدنا عنها، وأُخْرِجنا من ديارنا، وشُرِّدْنَا عن حُرَمنا وذرارينا، واستحلُّوا دماءَنا بغير حق، ونحن نشرحُ للوزير -أيَّده اللهُ- حالنا.

كان قديم (١) أمرنا أنَّا كنا أناسًا مستورين، مقبلين على تجارتنا ومعايشنا، ننزِّهُ أنفسَنا عن ارتكاب المعاصي التي حرّمَها الله تعالى، محافظين على فرائضِ الله تعالى، من إقامة الصلوات، وأداء الزكوات، والصيام، والحج، فنَقَم علينا سفهاءُ الناس وفُجَّارُهم مِمن لا يُعْرَفُ بدين، ولا ينسب إلى تقوى ولا يقين، فأكثروا التشنيع علينا حتَّى اجتمعَ الناسُ علينا، وتظاهروا بالإثم والعدوان، وشهدُوا علينا بالزور والبهتان، وأنَّ نساءنا بيننا بالسويَّة، وأنَّنا لا نحرِّمُ حرامًا، ولا نحلُّ حلالًا، وسبُّونا في وجوهنا، وأهانونا وأذلُّونا، حتى نادوا في البلد: من أقامَ عندنا بعد ثلاثة أيَّام فلا يلومنَّ إلا نفسَه، فخرجنا من البلد هاربين، ومن بقيَ منَّا جعلُوا في رقابهم الحبال، وفي أعناقهم السلاسل، وفعلُوا بهم وفعلوا، وذكروا كلامًا طويلًا، إلى أن قال: فأجلونا إلى جزيرة أو إلى .... (٢).


(١) في (خ): قد تم. والمثبت من تاريخ الإسلام ٧/ ٩.
(٢) في (خ) بياض بمقدار كلمة، وفوقه: كذا وجد.