ثم رجعتُ من غَيبتي وكانت ليلة باردة مَطيرة، فطَرقتُ عليهما الباب فقالا: مَنْ؟ قلتُ: وَلَدُكما أحمد، فقالا: كان لنا ولد اسمه أحمد فوهبناه لله؛ ونحن من العرب لا نرجع فيما وهبناه، ولم يفتحا الباب.
وقال الدُّقّي: رأيتُ ابن الجلاء يمشي في الهواء.
[وقد ذكرنا أنما سمي أبوه الجلاء لأنه كان يجلو القلوب بكلامه.
وحكى عنه في "المناقب" أنَّه] قال: كنت أمشي يومًا مع أستاذي، فرأيتُ غلامًا حَدَثًا جميلًا فقلت: يا أستاذ أترى يُعذّب الله هذه الصورة بالنار! فقال: أَوَ نَظرتَ؟! سوف ترى غِبَّها، قال: فنسيتُ القرآن بعد عشرين سنة.
[وحكى عنه أيضًا في "المناقب" أنَّه] قال: أعرف مَن أقام بمكة ثلاثين سنة لم يشرب من زمزم إلا برِشائه وركوته، ولم يتناول من طعامٍ جُلب من مصر.
[قال:] وسأله محمد بن ياسين عن الفقر فلم يُجبه، وقام فخرج، ثم عاد فأجابه فقال: لِمَ أخَّرتَ الجواب؟ فقال: كان عندي أربعة دَوانيق، فاستَحْيَيتُ من الله تعالى أن أتكلَّم في الفقر وهي عندي، فأخرجتُها ثم أجبتُك.
[وحكى عنه أيضًا أنَّه] قال: اشتهت أمي على أبي سَمَكًا، فمضى إلى السُّوق وأنا معه، فاشترى سمكةً، ووقف ينظر مَن يحملها معه، فرأى غلامًا واقفًا فقال: أتحملها؟ قال: نعم، فحملها، وإذا بمؤذّن يقيم الصلاة في مسجد، فترك الغلام طَبَقه على الدُّكَّان ودخل يصلي، فقال أبي: هذا قد هان عليه طبقه وله قيمة، أفلا تهون علينا سمكتنا!؟ فدخلنا وصلينا جميعًا، ثم خرجنا والسمكةُ بحالها، فلما وصلنا إلى دارنا حكى أبي لأمي حديثَ الغلام فقالت: سَلْه أن يقيم عندنا حتَّى نُصلحها فيأكل معنا منها، فسأله أبي فقال: أنا صائم، قال: تقيم عندنا إلى الليل، فأقام وأفطر معنا، وأفردْنا له بيتًا لخلوته ونمنا.
وكان لنا بنت زَمِنَة لها مدّة مُقْعَدة، وهي مُنفردة في بيت، فلما كان وقت السَّحَر وإذا بها قد جاءت تمشي على رجليها، فدُهشنا لها، وقلنا لها: ما هذا؟ فقالت: سمعتكم تذكرون ضيفنا الليلة بخير، فتوسَّلتُ به إلى الله تعالى، فقمتُ أمشي، قال: فأتينا بابَ