للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقال أبو يوسف: ثم] طاف الدنيا، ودخل الهند، وعبر النَّهر، وكان قد تلمذ له جماعة في البلاد؛ فبعضهم يُكاتبه بالمُغيث، وبعضهم بالمُقيت، ويسميه أقوام المُصْطَلم، وقوم المُحَيّر، وحج وجاور ثم أقام بمكة.

[وقال الخطيب: ذكر عن أبي يعقوب النَّهْرَجوري قال: دخل الحسين إلى مكة وذلك] أول في خوله إليها، فجلس في صَحْن المسجد سنةً لا يَبْرَح من موضعه إلا للطهارة والطواف، ولا يبالي بحرِّ الشمس ولا المطر، وكان يُحمل إليه في كل عشية قرص من أقراص مكة وكوز من ماء، فيعضُّ منه أربع عَضَّات ويردُّ الباقي، ويصعد على أبي قُبَيْس وقت الهاجرة، فيقعد على صخرة والعرق يسيل منه، فرآه أبو عبد الله المغربي فقال: سوف يبليه الله ببلاء لا يطيقه؛ قعد بحُمْقِه يتصبّر على الله تعالى (١).

وقيل: إنه (٢) لما أقام بمكة حسده أبو يعقوب النَّهْرَجوري، فتكلّم فيه فخرج إلى البصرة، ثم دخل إلى الهِنْد وتُرْكسْتان والصِّين (٣)، وصنف الكتب، ودعا إلى الله، وكوتب من البلاد ما ذكرنا.

ثم قدم بغداد فبنى بها دارًا، واشترى عقارًا، واختلف إليه الناس، وسمعوا كلامه فوثب عليه محمد بن داود الفقيه والجنيد.

واختلف الناس فيه، فقوم يقولون: إنه ساحر، وقوم يقولون [: له كرامات، وقوم يقولون:] مُنمّس، حتى أخذه السلطان فحبسه.

وقال أبو بكر الصُّولي: رأيتُ الحَلَّاج وجالستُه، فرأيته جاهلا يتعاقل، وعَييًّا يتبالغ، وفاجرًا يتزهّد، وكان ظاهره أنه ناسك صوفي، فإذا علم أن أهل بلده يرون الاعتزال صار معتزليًّا، أو يرون الإمامة صار إماميًّا، أو رآهم سنة صار سنيًّا، وكان يعرف الشَّعْبَذة والكيمياء والطب، وكان مع جهله خبيثًا، ينتقل في البلدان، ويدعي الربوبية.

وكان يقول لواحد من أصحابه: أنت آدم، ولآخر: أنت نوح، ولآخر: أنت إبراهيم، ولآخر: أنت موسى، ولآخر: أنت عيسى، ولآخر: أنت محمد، ويدّعي


(١) تاريخ بغداد ٨/ ٦٩٦.
(٢) في (ف) و (م ١): وفي رواية أنه.
(٣) في تاريخ بغداد ٨/ ٦٩٠: وماصين.