للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى باع كُمَّي قميصِه، فقال له بعض أصدقائه: أتَنْشَطُ لتأديب بعضِ ولد الوزير أبي الحسن عُبيد الله بنِ يحيى بن خاقان؟ قال: نعم.

فمضى الرجل، وأحكم أمْرَه، وعاد إليه، فأوصلَه إلى الوزير بعد أنْ أعارَه ما يَلبَسُه، فلما رآه عُبيد الله قرَّبه، ورفع مجلسَه، وأجرَى عليه في كل شهرٍ عشرةَ دنانير، فلما جلس الولدُ بين يديه كتَّبه في اللوح، فكتب من ساعته، فأخذ الخادمُ اللوحَ ودخل مُستبشرًا، فلم تَبْقَ جاريةٌ إلا وأهدَت له صينيَّةً فيها دنانير ودراهم، فرد الجميعَ وقال: قد شُورِطْتُ على شيءٍ، فما آخُذُ غيرَه.

وبلَغَ الوزيرَ، فأحضره وعاتَبه على ردِّه، فقال: هؤلاء عبيدٌ، والعبيدُ لا يَملكون، والشَّرطُ أملَكُ. فعَظُم في عينه.

وقال ابن عساكر: عزم المكتفي على أنْ يُوقِفَ وقفًا يجمع أقاويلَ العلماء (١)، فجمعهم وفيهم ابنُ جرير، فكتب كتاب الوقف، وسَلِمَ من الخلاف على ما أراد المكتفي، فأعجبه، فأرسَلَ إليه بجائزة فردَّها، فقال له صافي الحرمي: أنتَ عند ستر أمير المؤمنين، وهو يسمعُك، ومَن وصل إلى هاهنا لم يخرج إلا بجائزة أو حاجة مَقضيَّة، فقال له: أما الجائزةُ فلا أقبلها، وأما الحاجةُ فأسألُ أنْ يَتقدَّمَ إلى صاحب الشُّرطة بمنع السُّؤال يوم الجمعة من دخول المقصورة التي في الجامع حتى تنقضيَ الجمعةُ، فتقدَّم الخليفةُ بذلك، وعَظُم في نفوسهم.

وكان ابن جرير يميلُ إلى مذهب الظاهرية، واختارَ له مذهبًا، وكان يمسَحُ على قدمَيه ولا يغسلهما عملًا بظاهر الآية، فنُسِبَ إلى الرفْض.

وقال محمد بن إسحاق بن خُزَيمة: التمس العباسُ بنُ الحسنِ بنَ جرير أن يُؤلفَ له كتابًا في الفقه، فألَّفه وبعَثَ به إليه، فأرسل إليه العباسُ ألفَ دينار، فردَّها وقال: معاذَ الله أنْ آخُذَ على العلم أجرًا.

وقال الفَرْغانيّ: كان الطبري قد وقَفَ على علم الشافعيِّ، ثم أداه اجتهادُه ودينُه ونُصحه للمسلمين بأن اختارَ لنفسه قولًا لم يجد فيه نصًّا (٢).


(١) كذا في (خ)، وفي تاريخ دمشق ٦١/ ١٩٩: أريد أن أوقف وقفًا تجتمع أقاويل العلماء على صحته.
(٢) أي: لم يجد فيه نصًّا عند عالم يجب التسليم له بعلمه. انظر تاريخ دمشق ٦١/ ٢٠٥.