وفيها عمل ابن الفرات على إخراج مؤنس من بغداد، وكان مؤنس لمَّا وليَ ابنُ الفرات الوزارةَ غائبًا في الثَّغْر، فقدم بغداد في رمضان، والتقاه المُحَسِّن والقوَّادُ والخاصّ والعامُّ، واجتمع بالمُقتدر فرفع منه.
وكَثُرت الأراجيف بإنكار مؤنس ما جرى على حامد وابن عيسى والكُتَّاب، وأنَّ أكثر العساكر يريدون أنْ ينضمُّوا إلى عسكر مؤنس، فعز على ابن الفرات، واجتمع بالمقتدر، وأغراه بمؤنس وقال: قد عَزم على التحكُّم على الخلافة، وأن يصير الأمر إليه، وجميع العساكر معه.
فلمَّا دخل مؤنس على المقتدر قال له: ما شيءٌ أحبَّ إليَّ من أنْ تقيمَ ببغداد لآنَسَ بك، ولكن قد قلَّت الأموال بالعراق، وعسكرُكَ يحتاجون إلى الأرزاق، ومالُ الشام والمغرب ومصر كثيرٌ، وأرى أن تقيمَ بالرقَّة، والأموال تُحمَل إليك من كلّ جهة، ورسم له بالخروج من وقته بعسكره.
فعلم مؤنس أنَّه رأيُ ابن الفرات -وكان بينهما عداوةٌ شديدة- فسأل مؤنسٌ من المقتدر أنْ يُمْهِلَه إلى العيد بقيةَ شهر رمضان، فأجابه، وأقام إلى نصف شوال، فلمَّا أراد المسير دخل على ابن الفرات مودِّعًا له، فقام له قائمًا، فاستعفاه فلم يُعْفِه، وكذا عند خروجه، وسأله في أشياء فأجابه، منها: تسليمُ الحسين بن أحمد ومحمد بن علي الماذرائيين، وكانا في مصادرة ابن الفرات، فسلمهما إليه، وقضى حوائجَه، وودَّع الخليفةَ وخرج في ذي القعدة إلى الرقَّة، واستوحش مؤنس (١).
وفيها شرع ابن الفرات في نَكبة نصر الحاجب، لمَّا فرغ من أمر مؤنس تجرَّد له ولشَفيع المُقْتَدريّ، وكثَّر عليهما عند المقتدر وخاصَّةً نصر، ووَصَف أموالهما وضياعَهما وذخائرهما، فأجابه إلى تسليم نصر دون شفيع، فعلم نصر فلجأ إلى السيدة، فعَنِيَت به وقالت للمقتدر: قد أبعد ابنُ الفرات مؤنسًا عنك، وهو سيفك، ويريدُ أنْ ينكب حاجبَك ليتمكَّن منك، فيُجازيك على حسب ما عاملتَه به من إزالة نعمتِه وهَتْك حُرَمه، فليت شعري فبمَن تستعينُ على ابن الفرات والمُحَسِّن مع ما قد ظهر من
(١) تكملة تاريخ الطبري ١١/ ٢٤٠، والكامل ٨/ ١٤٣، وتاريخ الإسلام ٧/ ٢٠٦.