للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرِّهما واستحلالهما الدماءَ أن يخلعاك؟ فوعدها بالكفِّ عن نصر.

وكان نصر قد استتر، فبعثَت إليه السيدة: ارجع إلى خدمتك، فرجع، وأقام ابن الفرات يُغري به المقتدر ويقول: ضيَّع عليك في أمر ابن أبي السَّاج خمسة آلاف ألف دينار، ولو كانت باقية لأرضيت بها الجُند، فكان المقتدر مرةً يَستحي من والدته وخدمةِ نصر، ومرةً تَشْرَه نفسُه للمال.

واتَّفق أنَّه وُجد في دار الخليفة رجل أعجمي، دخل مع الصنَّاع وخرجوا، وأقام أيامًا، فأُخذ وضُرب، وقُرّر فلم يُقر شيئًا، ولم يزد: ندانم (١)، وصُلب وأُحرق.

وقيل: إنَّ ابن الفرات قال لنصر بحضرة المقتدر: ما أحسبُك ترضى لنفسك أن يجريَ في دارك ما جرى في دار أمير المؤمنين وأنت حاجبُه، وما تم هذا على أحد من الخلفاء قديمًا وحديثًا: أنَّ عدوّا يدخل دورَهم، ولو أراد بأمير المؤمنين سوءًا لقدر عليه، وكثَّر على نصر، فقال له نصر: ليت شعري، كيف أُدبِّر أنا على أمير المؤمنين؟ لأنَّه أخذ أموالي وَهَتك حريمي، وقبض ضياعي، وحبسني عشر سنين (٢)! وجَرَت بينهما فصول، ويقال: إنَّ ابن الفرات فعل هذا ليتمكَّن من نصر، واندفع المكروه عن نصر (٣).

وفي شعبان أمر المقتدر برفع المَواريث، وردِّها إلى ما كانت عليه في زمان المُعْتَضد، وتوريث ذوي الأرحام، وأُظهِرَت نسخة كتبها القاضي أبو خازم في أيام المعتضد يقول: قد اختلف الناس في توريث الأقارب، فرُوي عن زيد بن ثابت أنَّه جعل التركةَ إذا لم يكن للميت مَن يَرثُه من عَصَبة أو سهم لجماعة المسلمين ولبيت مالهم، وخالفَه عمرُ بن الخطاب، وعليّ، وابنُ مسعود، وابنُ عباس، وغيرُهم من الصحابة، ورَدَّ ما يَفضل من السُّهمان على أصحاب السّهام من القرابة وذوي الأرحام،


(١) (ندانم) كلمة بالفارسية تعني: لا أعرف أو: لا أدري، وانظر تكملة الطبري ١١/ ٢٤٠ - ٢٤١، والكامل ٨/ ١٤٦.
(٢) في الكامل ٨/ ١٤٦: لم أقتل أمير المؤمنين وقد رفعني من الزى إلى الثريا؟ إنما يسعى في قتله مَن صادره وأخذ أمواله وأطال حبسه هذه السنين وأخذ ضياعه. وانظر تكملة الطبري ١١/ ٢٤١.
(٣) من قوله: وفيها عمل ابن الفرات على إخراج مؤنس … إلى هنا ليس في (ف م ١).