للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطلاق، فضحك حامدٌ، وأطلَقَ له مئتي دينار، وقال: قد صار لك الآن مثلَ ما لها، فهي لا تُطالبُك بالطلاق (١).

[وقال المُحَسِّن:] كان إذا سافر ومعه حُرَمُه نزلوا في حَزَاقة، والملاحون الذين فيها خِصيان ليس فيهم فحل.

[وحكى المحسن أيضًا أن حامدًا] خرج يومًا إلى بستانه، فرأى في طريقه دارًا مُحترقة، وشيخًا قائمًا يبكي، وحولَه صبيانٌ ونساءٌ يُوَلْولون، فسأل عنهم فقيل له: هذا رجلٌ تاجرٌ احترَقَت دارُه وافتقر، فوَجَم ساعةً، ودعا وكيلَه وقال: [أريد أنْ أندُبَك لأمر، إنْ فعلتَه كما في نفسي أحسنتُ إليك وفعلتُ معك كذا، وإنْ تجاوزتَ فيه رَسْمي فعلتُ بك وصنعتُ، فقال: مُرْ بأمرك، فقال:] قد اجْتَزْتُ بهذه الدار، وقد ضاق صدري على الشيخ، وآلمني قلبي، وتنغَّصَت علي نُزهتي بسببه، وما تسمحُ نفسي بالتوجُّه إلى بستاني إلا بعد أنْ تضمَن لي أنِّي إذا عدتُ [العشيةَ] من البستان أن أجدَ الشيخ في داره، وهي كما كانت مبنيةً نظيفةً، وفيها صنوف المتاع والفُرُش مثل ما كانت وأكثر، وتحضر إليها كسوةُ الشتاء والصيف للشيخ ولعياله، فقال: تقدم إلى الخازن (٢) بأنْ يُطلِق ما أُريده، وإلى صاحب المَعونة أنْ يقفَ معي، ويُحضرَ ما أطلبه من الصُّنَّاع والآلات.

فأمر بذلك -وكان الزَّمان صيفًا- فأحضر الصُّنَاع والفَعَلة، وشرعوا، وأقاموا الدار كما كانت، وسُقِفَت وبيّضَت، وبقيت الطوابيقُ، فكتب الوكيلُ إلى حامد يسألُه أنْ يلبَثَ في البستان إلى العِشاء الآخرة، فأقام، وكتَبَ الوكيلُ جميع ما ذهب للشيخ حتى المِقْدَحَة والمِكْنَسَة، وأُحضِرَت الصَّناديق، وامتلأت الخزائنُ بالأمتعة، وكمُلَت الدارُ، واجتاز حامد بها وقد اجتمع الناس كأنَّه يومُ عيد، والناس يَضجّون بالدعاء له، وحمل حامد إلى الشيخ خمسةَ آلاف درهم يزيدُها في بضاعته، ثم سار حامدٌ إلى داره.


(١) الخبران في نشوار المحاضرة ١/ ٢٢، ٤١، وعنه في المنتظم ١٣/ ٢٢٩ - ٢٣٠، وتاريخ الإسلام ٧/ ٢٣٥، والسير ١٤/ ٣٥٧.
(٢) في (ف م ١): تأمر الخازن، وما سلف بين معكوفين منهما، وانظر المنتظم ١٣/ ٢٣١، وصلة تاريخ الطبري ٢٣٥ - ٢٣٦، وتاريخ الإسلام ٧/ ٢٣٧.