للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّاس عليهم، فلم مُنعوا الإجابة؟ فقال: منعهم من ذلك خصال: أقرُّوا بالله وتركوا أمرَه، وقالوا: نؤمن بالرُّسُل وخالفوا شَرْعَه (١)، وقرؤوا القرآن ولم يعملوا به، وقالوا: نحبُّ الجنةَ وتركوا طريقها، وقالوا: نكره النارَ وسلكوا طريقها، وقالوا: إبليسُ عدوُّنا ووافقوه، ودفنوا موتاهم ولم يَعتبروا، واشتغلوا بعيوب النَّاس وتركوا عيوبَ أنفسهم، وجمعوا المال ونَسُوا يوم الحساب، ونقضوا القبورَ وزيَّنوا القصور (٢).

قال: فأقمتُ عنده أيامًا، فقال لي: حدِّثني كيف وصلتَ إلى ها هنا؟ فحدثتُه، فقال: أخطأتَ حيث فارقتَ أصحابك، وتركتَ قلوبَهم متعلِّقةً بك، ارجع إليهم، فقلتُ: ما أعرفُ الطريق، فقال: قم، فقمتُ وقام معي، فخرجنا وإذا بسبُعٍ واقف على باب الكهف فقال: لا تخف واتْبَعْه، وإذا حججْتَ فاطلُب بين المقام وزمزم رجلًا أشقرَ خفيفَ العارِضَين، فسَلْه أن يدعو لك فإنَّك تنتفعُ بدعائه.

ثم فارقتُه والسبع يمشي بين يدي إلى عَقَبة دمشق فغاب عنِّي.

ودخلتُ دمشق، فأتيتُ أصحابي ففرحوا بي وقالوا: شغلتَ قلوبَنا، فأخبرتُهم خبري، فقالوا: قوموا بنا، فخرجنا من دمشق نحو عشرين رجلًا إلى لبنان، فأقمنا أيامًا نطوف فلم نَقَع على المَغارة، فقالوا: هذا شيءٌ كُشِفَ لك دوننا فرجعنا.

وخرجتُ إلى الحجِّ، وقصدتُ بين الركن والمقام وزمزم، وإذا بذلك الشخص الذي وصفه جالسٌ، فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلام، فقلت: إبراهيم الكرماني يُسلِّم عليك، قال: وأين رأيتَه؟ قلت: في مغارة لبنان، قال: إنَّه تُوفي إلى رحمة الله، قلتُ: مات؟ قال: نعم، قلتُ: متى؟ قال: الساعة، دفنَّاه في المغارة عند إخوانه، وكنَّا جماعةً، فلمَّا دفنَّاه إذا بذلك الطائر الذي رأيتَ قد جاء، فما زال يضرب بمِنقاره وجناحَيه الأرض حتَّى مات، فدفنَّاه تحت رجليه، ثم قال لي: طُفْ بالبيت، فشرعتُ في الطَّواف وغابَ الرَّجل عنِّي.


(١) في تاريخ دمشق ٢/ ٥٥٦: قالوا نحب الرسول ولم يتبعوا سنته.
(٢) في تاريخ دمشق: وبنوا القصور.