وكان مؤنس شديدَ البُغض للحسين بن القاسم، فدخل مُفلحٌ في قضيَّته، وأصلح حاله معه ومع غيره، وضمن لهم الأموال، والكَلْوذاني يُواصل الاستعفاء، واتَّفق أنَّ جماعةً من الجند تأخَّرت أرزاقُهم، فصاروا إلى باب الكلوَذاني، ورَمَوه بالآجُرّ، ونالوا منه -وكان في طيَّاره- فدخل دارَه، وأغلق بابَه، وحلف لا ينظر في الوزارة، فكانت مُدَّة وزارته شهرين وثلاثة أيام.
وخلع المقتدر على الحسين خِلَع الوزارة، وفوَّض إليه الأموال والأمور في رمضان، وصار إليه علي بن عيسى فهنَّأه.
وكان الحسين قد شرط أن لا يَنظُرَ علي بن عيسى في شيءٍ من الأمور، ولا يجلس للمظالم، فأُجيب إلى ذلك، وحمل الحسين إلى جارية المقتدر وحَظِيَّته مالًا كثيرًا؛ لأنَّها كانت تُوصل إلى المقتدر رِقاعَه.
وفيها استوحش مؤنس المُظَفَّر من المُقتدر في ذي الحجة، وسببه: أنَّه بلغه اجتماعُ الوزير وجماعة من القُوَّاد والحجرية على التدبير عليه، فتَنكَّر له مؤنس، وعزم خواصُّه على كَبْس الوزير في الليل في منزله والقَبْضِ عليه، فكان ينتقل من دارٍ إلى دار ولا يبيت في داره، وراسلَ مؤنس الخليفة بعزله فأجابه وقال: ننفيه إلى عُمان، فامتنع المقتدر.
وأوقع الوزيرُ في قلب المقتدر أنَّ مؤنسًا يريد أن يأخذَ الأميرَ أبا العباس من داره بالمُخَرِّم، ويذهب به إلى الشام ومصر، ويَعقدَ له الأمرَ هناك، وأشار بردِّ أبي العباس إلى داره بدار الخلافة، ففعل، فحَقدها على الحسين، فلمَّا أفضَتْ إليه الخلافة أنزل به ما سنذكره إن شاء الله تعالى في السنة الثانية والعشرين عند مقتل الشَّلْمَغاني.
وكتب الحسين إلى هارون وهو بدير العاقول بأن يَحضُرَ إلى الحضرة، فصح عند مؤنس أنَّ الوزير يُدَبِّر عليه، ومعه مُفلح الأسود -وكان مفلحٌ صديقًا للحسين ومُباينًا لمؤنس- فخرج مؤنس إلى الشَّمَّاسية بأصحابه، ونزل في مضاربه، وكتب إلى المقتدر أنَّ مُفلحًا صديق مطابقٌ الحسين، وأنَّ نفسه لا تسكُن حتى يُنفذَ إليه مفلحًا ليقلِّده أجلَّ الأعمال، ويخرج إليها، فكتب إليه المقتدر: أنَّ مُفلحًا الخادم خادم يوثَقُ به في خدمته، وليس يُدخل نفسَه فيما نظنُّه به.