فلمَّا بلغ مؤنسًا الجواب، وأنَّ الوزير قد جمع الرجال وشَرع يُنفق فيهم، وأنَّ هارون قد قَرُب من بغداد: أظهر الغضبَ وخرج إلى المَوصل، ولحق به أصحابه، ووجَّه بشرى خادمَه ليؤدِّي الرسالة إلى المقتدر، فقال له الوزير: أدِّها إليَّ، فقال: هي إلى الخليفة، ولا أُؤدِّيها إلا إليه.
فعرَّف الوزير الخليفةَ، فقال: يؤدِّيها إليك، فامتنع وقال: حتى أرجِعَ إلى صاحبي، فإن أمرني أدَّيتُها.
فشَتمه الوزيرُ وشتم صاحبه، وضربه عشرين مِقْرَعةً وحَبسه، وأخذ خطَّه بثلاث مئة ألف دينار ومئتي ألف درهم، وأحضر زوجتَه وتهدَّدها، فأقرَّت بثلاثة وثلاثين ألف دينار ومئتي ألف درهم.
وسار مؤنس إلى الموصل، فكتب الوزير إلى عسكره وقوَّاده بالانصراف عنه إلى الخليفة، فانصرف أكثرُهم، وسار إلى الموصل في خواصِّه وغلمانه، وقبض الوزيرُ على أسبابه وأمواله وضياعه، وأفرد لها ديوانًا سمَّاه: ديوان ضياع المخالفين.
وهنَّأ الناسُ الوزيرَ بانصراف مؤنس عن بغداد، وزاد مَحلُّه عند المقتدر، وكنَّاه عميدَ الدولة، وكتب ذلك على الدنانير والدراهم.
وكُتبت الكتب إلى الآفاق بذلك، وأطلق الحسين للجُند أرزاقَهم، ونفى الغلمان السَّاجيَّة من بغداد لميلهم إلى مؤنس، وكتب إلى داود وسعيد ابني حَمدان والحسن بن عبد الله بن حمدان بمحاربة مؤنس ودفعه عن المَوصل، وأنَّه عاصٍ، فامتنع داود، فما زال به أهلُه إلى أن ثنَوا رأيَه، وخوَّفوه وقالوا: بعد، ما غَسَلْنا رؤوسَنا ممَّا عمله الحسين بن حمدان، ثم مما عمله أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بالأمس، ويريد أن يعمل لنا حديثًا ثالثًا؟ فخرج معهم وكانوا في ثلاثين ألفًا، ومؤنس في ثمان مئة رجل، فنُصِر عليهم وهزمهم -وذلك في صفر سنة عشرين وثلاث مئة- وقال: يا قوم، يُقاتلُني داود وفي حِجري طُهِّرَ وإخوتُه؟!
وقال محمود الأصبهاني: وفي سنة تسع عشرة وثلاث مئة استوحش مؤنس من محمَّد بن ياقوت؛ لأنَّه كان قد استظهر بالرجال، فقيل لمؤنس: يريد أن يَكبس دارَك الليلة، فخرج إلى الشَّمَّاسية، وراسل المقتدرَ بأن يَصرفه من الشرطة، وأباه من