للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبلى هارون [بن غريب] ومحمد بن ياقوت بلاءً حسنًا، وبقي المقتدر في نَفَرٍ يسيرٍ.

وكان مُعظمُ عسكر مؤنس البَرْبرَ، فبينا المقتدر واقف في المعركة وقد انهزم أصحابُه رآه علي بنُ بليق، فعرفه، فترجَّل وقال: مولاي أمير المؤمنين، وقبَّل الأرضَ وقبَّل رُكْبتَه.

ووافى جماعةٌ من البَرْبر فأحاطوا بالمقتدر، فضرَبه رجلٌ منهم من خلفه ضَرْبةً سقط إلى الأرض، فقال له: ويلَك، أنا الخليفة، فقال البربري: فأنت المطلوب، [وأضجعه] وذبحه بالسيف، وشال رأسَه على خشبة، ثم سلب ثيابَه وسراويلَه، وبقي (١) مَكشوف العَورة، حتى مرَّ به بعضُ الأَكَرَةِ (٢) فسَتَرَ عَورتَه بحَشيش، ثم حفر له في الموضع، ودُفِن وعُفِّي أثَرُه، وأنفذ بليق وابنُه إلى دار السلطان مَن يحفظها.

وجاء مؤنس من الرَّاشِدية، فنزل الشمَّاسية فبات بها، ومضى هارون بن غريب ومحمد بن ياقوت وابنا رائق ومفلح الأسود إلى المدائن.

ولمَّا أُحضِرَ رأس المقتدر إلى مؤنس تمثَّل يحيى بن عبد الله الطَّبَري كاتب بليق: [من الكامل]

وإذا المَنيَّةُ أنْشَبَتْ أظْفارَها … أَلْفَيتَ كلَّ تَميمَةٍ لا تَنْفعُ

[قال ثابت بن سِنان: وكان ما فعلَه مؤنس من قَتْل المقتدر، والضرب في وجهه بالسيف، ودخوله بغداد على ذلك: سَببًا لجُرْأة الأعداء وطمعهم في الخلافة، وانخراق الهيبة، وابتداء ضَعْف الخلافة، وتفاقُم الأمور.

قلت: وقد وهم ثابت بن سنان؛ فإن الذي جرَّأ الموالي على الخلفاء بالقتل إنما هو باغر (٣) قاتل المتوكِّل، وهو الذي أطمعهم في قتل المستعين والمعتز والمهتدي والمقتدر.] (٤)


(١) في (ف): وألقي.
(٢) بعض الحُرَّاث.
(٣) في (ت): جرأ الموالي على قتل الخلفاء باغر، وانظر الطبري ٩/ ٢٢٧، ٢٧٨.
(٤) ما بين معكوفين من (ف م ١).